خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
١٦٣
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
١٦٤
فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
١٦٦
-الأعراف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } قال بعض أهل التأويل: القرية التي كانت حاضرة البحر هي أيلة.
وقال آخرون: أريحا.
ولسنا ندري ما تلك القرية، وليس لنا إلى معرفة تلك القرية حاجة؛ إذ لا منفعة لنا في معرفتها، ولو كانت لنا حاجة إليها لبين لنا عز وجل.
وقوله: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ... }.
أمره بالسؤال عنها، ثم كان هو المبين لهم بقوله: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ }، والسؤال هو الاستخبار، والإخبار أبداً إنما يلزم المسئول دون المستخبر، لكن الاستخبار يكون من وجهين:
أحدهما: ابتداء إخبار.
والثاني: طلب التصديق، فهاهنا لم يحتمل ابتداء الخبر، وهو على طلب التصديق؛ كأنه قال: ألم يكن كذا؛ فيقولون: نعم؛ يصدقونه بما يقول لهم.
وقال قائلون: لم يأمره بالسؤال حقيقة، ولكنه على التمثيل؛ كأنه قال: لو سألتهم يقولون لك كذا؛ كقوله:
{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } [البقرة: 211] ليس على الأمر أن اسألهم، ولكن لو سألتهم كان كذا، وأجابوك بكذا، فعلى ذلك هذا.
وقوله - عز وجل -: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ }.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - [قال]: ابتدعوا السبت فعظموه، فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان.
وقال مجاهد: حرمت عليهم الحيتان يوم السبت، فكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً بلا مؤنة [ولا] تكلف، ابتلوا به، ولا تأتيهم في غير مثله.
وقال أبو عوسجة: قوله: { شُرَّعاً } [هي] التي قد دنت من الشط، والواحد: شارع.
وقوله - عز وجل -: { لاَ يَسْبِتُونَ }.
اي: لا يدخلون في السبت؛ كما يقال: لا يربعون ولا يخمسون، أي: لا يدخلون فيه، [ويسبتون أي يدخلون فيه] وكذلك يربعون ويخمسون.
وقال القتبي: { شُرَّعاً } أي: شوارع، { إِذْ يَعْدُونَ } أي: يتعدون الحق، ويقال: عدوت على فلان: إذا ظلمته.
وقال الكيساني: يقرأ: { يَسْبِتُونَ } بالرفع، ويقرأ بالفتح؛ فيمن قرأها [يسبتون بالفتح أراد سبتوا أي عظموا يقال: سبت يسبت سبتاً وسبوتاً إذا عظم، ومن قرأها برفع الياء أراد أنهم] دخلوا في السبت.
وقال قائلون: قوله: { شُرَّعاً } أي: كثيرة، أي: تكثر لهم الحيتان يوم السبت، وهو اليوم الذي حرم عليهم الحيتان، وتقل في غير ذلك.
وقال بعضهم: ابتلاهم الله بتحريم السمك في السبت؛ ليرى الخلق المطيع منهم من العاصي.
وقال قائلون: ابتلاهم بذلك لما كانوا يفسقون في السر؛ ليكون فسقهم وتعديهم ظاهراً عند الخلق كما كان عند الله؛ لئلا يقولوا عند التعذيب إنهم عذبوا بلا ظلم ولا تعد - والله أعلم -.
وذلك قوله: { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }.
وقال قائلون في قوله: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ }: إنما أمره أن يسألهم أما عذبهم الله بذنوبهم؟ ثم أخبر عن ذنوبهم فقال: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أي: يعتدون في السبت.
وقوله: { شُرَّعاً } أي: شارعات من غمرة الماء، أي: خارجات.
وقوله - عز وجل -: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } ذكر في الأول أنهم كانوا ثلاث فرق:
فريق عدوا، وتركوا أمر الله، وارتكبوا ما نهوا عنه.
وفريق نهوا أولئك الذين اعتدوا وانتهكوا حرم الله.
وفريق، قيل: لم يعتدوا، ولم يرتكبوا نهيه، ولا نهوا أولئك الذين اعتدوا، وهم الذين قالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً... } الآية، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: هم كانوا ثلاث فرق: فرقة وعظت، وفرقة موعوظة، وفرقة ثالثة، وهم الذين قالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ }.
وهو ما ذكرنا أنه ذكرهم في الابتداء ثلاث فرق، وذكر في آخر الحال فرقتين: فرقة هي التي هلكت بالاعتداء، وفرقة هي التي نهت ونجت.
ثم اختلف أهل التأويل في الفرقة الثالثة:
قال بعضهم: كانوا في الفرقة التي هلكت؛ لوجهين:
أحدهما: لما لم ينهوا أولئك الذين اعتدوا، وكان فرض عليهم النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، فإذا لم ينهوا أولئك هلكوا وشركوا في العذاب؛ كقوله:
{ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ... } الآية [المائدة: 63].
والثاني: كانوا معهم لما نهوا الناهين بقوله: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ }.
وقال قائلون: كانوا في الناجين.
قال الحسن: لأنهم كانوا نهوا أولئك عن الاعتداء والظلم الذي كان منهم، وكان قولهم: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } بعد ما نهوهم [و] وعظوهم فلم يتعظوا، فإنما قالوا لأولئك: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } بعد ما نهوا [و] وعظوا، فقالوا: كيف تعظون قوماً لا يتعظون ولا ينتهون، فإنما قالوا ذلك بعد ما نهوا.
وقال قائلون: هذا القول منهم نهي؛ لأنهم أتوا بوعيد شديد بقولهم: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً }، فنفس هذا القول منهم نهي وزجر عما ارتكبوا؛ حيث أتوا بالنهاية من الوعيد، وهو الهلاك والعذاب الشديد.
ولكنا لسنا نعلم أنهم كانوا في الهلكى أو في الناجين، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة، ولو كان لنا حاجة إلى ذلك لبينه لنا - عز وجل - ولم يترك ذلك لآرائنا، سوى أنه بين من نجا منهم بالنهي عن الظلم والعدوان، وبين من أهلك وعذب بالظلم والعدوان بقوله: { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }.
وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ }.
قرئ بالرفع والنصب أيضاً { مَعْذِرَةً } فمن قرأ بالرفع أضمر فيه هذه؛ كأنهم قالوا: هذه معذرة إلى ربكم؛ كقوله:
{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } [النور: 1] قيل: هذه سورة أنزلناها.
ومن قرأ بالنصب قال: { مَعْذِرَةً } أي: اعتذاراً منهم إلى ربهم { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } عما نهوا.
وقوله - عز وجل -: { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } أي: تركوا وأعرضوا عما ذكروا به.
{ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ }.
قال القتبي: شديد؛ وكذلك قال أبو عوسجة.
وقال غيره: أي: موجع، وهو واحد.
وقال الحسن: { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ } على الوقف، ثم قال: { بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }.
وقوله - عز وجل -: { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ }.
قال أبو عوسجة: قوله: { عَتَوْاْ } أي: استكبروا؛ يقال: عتا يعتوا عتوّاً، وكأن العتو هو النهاية في البأس، فكذلك قيل في قوله: { عَتَوْاْ } بائساً، لكن سمي مرة: قساوة، ومرة: استكباراً.
وقوله - عز وجل -: { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }.
قال بعضهم: حولت صورتهم وجسدهم صورة القردة، وكانت عقولهم على حالها عقول البشر لم تحول؛ ليعلموا تعذيب الله إياهم وما أصابهم بهتكهم حرم الله.
وقال قائلون: حول طباعهم طباع القردة، وأما الصورة والجسد على حاله.
وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله: { خَاسِئِينَ } قال بعضهم: هو من خسأ الكلب: صار قاصياً مبعداً، يقال: خسأته.
وقال أبو عوسجة: { خَاسِئِينَ }: مبعدين؛ وكذلك قال في قوله:
{ ٱخْسَئُواْ فِيهَا } [المؤمنون: 108] أي: ابعدوا فيها وارجعوا فيها؛ يقال: خسأت فلاناً وأخسأته، أي: باعدته، فخسأ، أي: تباعد.
وقيل: الخاسئ: الذليل.
وفي قوله: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ... } إلى آخر ما ذكر من القصة وجهان:
أحدهما: دليل إثبات الرسالة والنبوة له؛ حيث أخبر عما كان من غير نظر له في كتبهم، ولا اختلاف إلى أحد ممن له علم في ذلك؛ دل أنه إنما عرف [ذلك] بالله تعالى.
والثاني: إنباء عن عواقب الظلمة والفسقة، وما حل بهم بظلمهم وانتهاكهم حرم الله؛ ليكون ذلك زجراً لنا عن ارتكاب مثله.