خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ
١٩٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٩٤
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ
١٩٥
إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ
١٩٦
وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ
١٩٧
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
١٩٨
-الأعراف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ }.
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: { وَإِن تَدْعُوهُمْ } يعني: الأصنام، { إِلَى ٱلْهُدَىٰ }: ليهتدوا، { لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } أي: لا يجيبوكم ولا هم يهتدون.
والثاني: { وَإِن تَدْعُوهُمْ } إلى ما لكم إليه من حاجة { لاَ يَتَّبِعُوكُمْ }: لا يقضون ولا يملكون ذلك.
ويحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين؛ يقول: { وَإِن تَدْعُوهُمْ } [أي]: أهل مكة { إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } أي: لا يجيبوكم.
وجائز أن يكون يخاطب به أهل مكة؛ يقول: وإن تدعوا الأصنام التي تعبدونها إلى الهدى لا يملكون إجابتكم؛ يسفههم في عبادتهم من حاله ما وصف.
وقوله - عز وجل -: { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ }.
أمكن أن تكون الآية في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبداً؛ كقوله:
{ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [البقرة: 6].
وقال بعضهم: قوله: { وَإِن تَدْعُوهُمْ } يعني: المشركين { إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ }؛ فعلى ذلك يخرج قوله: { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ }.
وأمكن أن يكون قوله: { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ } في الأصنام، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }.
يحتمل قوله: { تَدْعُونَ } أي: تعبدون من دون الله، وقد كانوا يعبدون من دون الله أصناماً وأوثاناً.
ويحتمل { تَدْعُونَ } أي: تسمونهم من دون الله آلهة.
وقوله: { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } في الخلقة والدلالة على وحدانية الله في التدبير دونهم؛ لما قال: { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ... } إلى آخر ما ذكر، أي: ليس لهم ما [ذُكِر فهم] دونهم في التدبير والمعونة.
ويحتمل قوله: { تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } الملائكة الذين عبدوهم [هم] عباد أمثالكم، فلا تسموهم آلهة، أي: لا تعبدوا عباداً أمثالكم، ولكن اعبدوا من لا مثل له ولا نظير له.
وإن كان قوله: { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } الملائكة، فقوله: { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ... } الآية، هو منه مقطوع منصرف إلى الأصنام.
وقوله - عز وجل -: { فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.
ذكر الدعاء والاستجابة، ولم يبين في ماذا يستجيبون، ولا يجب أن تفسر الاستجابة في الشفاعة، أو في التقريب إلى الله، أو في غيره؛ إلا أن يعلم أنهم كانوا يدعونهم بكذا، ويطلبون منهم كذا [وقوله: { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنهم آلهة على ما تزعمون.
أو { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فيما تزعمون أن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى].
وقوله - عز وجل -: { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا }.
يسفه عقولهم بعبادتهم الأصنام التي لا أرجل لهم يمشون بها يهربون ممن يقصدهم بالسوء، أو يقصدون بها قصد من أراد الضر بهم والسوء، وكذلك يعبدون ما لا أيدي لهم يبطشون بها ويدفعون عن أنفسهم من أراد السوء، أو يأخذون من يقصدهم، وكذلك قوله: { أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ } يبصرون من يقصدهم بالسوء، { أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } من يشتمهم ويذكرهم بالسوء، يسفههم في عبادتهم من لا يملك دفع من يقصده بالسوء، إما هرباً منه، وإما قصداً منه إليه بالسوء، فإذا كانوا لا يملكون ذلك كيف تعبدونهم؟! وهو كقول إبراهيم - عليه السلام -:
{ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } [مريم: 42]، فإذا كانوا لا يملكون دفع ما يحل بهم، فكيف يملكون جر النفع إليكم، أو دفع الضر عنكم؟!
وقوله - عز وجل -: { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ }.
قال بعض أهل التأويل: خاطب به كفار مكة بقوله: { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } الذين تزعمون أنهم آلهة دون الله.
ويحتمل قوله: { شُرَكَآءَكُمْ } أي: ادعوا من شاركوكم في عبادة من دونه ثم كيدون.
ويحتمل أن يكون الخطاب لجميع الكفار الذين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، قال ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم: { ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } فلم يقدر أحد الكيد به والضرر مع قوتهم وعدتهم بالكثرة والأعوان، وضعف رسول الله، وقلة أعوانه؛ دل عجزهم عن ذلك أنه كان آية في نفسه، وأنه بالله - تعالى - ينتصر، وبه قوي على أعدائه، وذلك من عظيم آياته؛ لأنه قال ذلك لمن كانت همتهم القتل والإهلاك لمن خالفهم فيما هم فيه، ثم لم يقدر أحد منهم الضرر به؛ دل أنه كان بالله حفظه، وكذلك سائر الأنبياء - صلوات الله عليهم - حيث قالوا بين ظهراني قومهم - من نحو هود ونوح وهؤلاء -:
{ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [هود: 55] وقال نوح: { قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ... } [هود: 38] الآية.
وقوله - عز وجل -: { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ... } الآية.
ذكر هذا على إثر قوله: { ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ }؛ كما ذكر هود:
{ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } [هود: 54-56]، وكما قال نوح: { إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } [يونس: 71]، فزعوا إلى الله - عز وجل - عند وعيد قومهم بالإهلاك، وعليه اعتمدوا، وبه وثقوا؛ فعلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } أي: هو وليي يحفظني، وهو يتولى حفظ الصالحين، أي: بتوليه صلحوا.
أو يتولى ويحفظ الصالحين مقابل قول من ذكرنا من الرسل لقومهم.
ثم قوله: { وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ } عز وجل.
يحتمل: حافظي وناصري.
أو وليّ تدبيري الله { ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ }.
أو ولي أمري.
أو أولى بي الله { ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } الذي عجزت الخلائق عن إتيان مثله { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ }.
وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } يذكر سفههم بعبادتهم من عجز عن دفع الضرر عن نفسه، فضلاً أن يدفع ذلك عنهم أو يجروا إلى أنفسهم منفعة، وأخبر عن جهلهم أنهم يعبدون من لا يملك دفع ضر ولا جر نفع.
وقوله: { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }: هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: يخاطب به المؤمنين بقوله:
[وإن تدعو أهل مكة إلى الهدى] { لاَ يَسْمَعُواْ } أي: [لا] يجيبوا { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } أي: لا ينتفعون به، أو لشدة تعنتهم لا يبصرون.
وجائز أن يكون يقول: وإن تدعوا الأصنام التي تعبدون إلى الهدى { لاَ يَسْمَعُواْ } أي: لا يجيبوا، ولا يملكون الإجابة.
ويحتمل: { لاَ يَسْمَعُواْ } حقيقة السمع، { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ }: على التمثيل، أي: كأنهم ينظرون إليك، وهم لا يبصرون حقيقة.