خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
٣٦
لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٣٧
-الأنفال

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ... } الآية.
يذكرهم - والله أعلم - النعم التي أنعمها عليهم؛ من أنواع النعم:
[أحدها]: ما أنزلهم في بقعة خصّت تلك البقعة وفضلت على غيرها من البقاع؛ وهو مكان العبادة، ثم صدّوا الناس عن الدخول فيها والعبادة فيها، ومن ذلك بعث الرسول منهم فيهم فكذبوه، وما أعطاهم من الأموال، فأنفقوها في الصدّ؛ صدّ الإنسان عن مكان العبادة [وإقام العبادة فيه].
ثم اختلف في معنى الصدّ؛ قال بعضهم: إن كفار قريش استأجروا لقتال بدر رجالاً من قبائل العرب؛ عوناً لهم على قتال النبي - عليه السلام - وأصحابه؛ فذلك نفقتهم التي أنفقوا، فصار ذلك حسرة عليهم [لما كانت الهزيمة عليهم].
روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال: تلك قد خلت؛ إن ناساً في الجاهلية كانوا يعطون ناساً أموالهم فيقاتلون نبيّ الله، فأسلموا عليها، فطلبوها، فكانت عليهم [حسرة].
وعن سعيد بن جبير قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أحد أجراء من الأحابيش من كنانة، فقاتلهم النبي، عليه السلام.
ويحتمل أن يكون قوله: { تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } يوم القيامة، أي: النفقة التي أنفقوها [تصير] عليهم حسرة في الآخرة؛ لما أنفقوها [في غير حل]؛ لصدّ الناس عن سبيل الله.
وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }.
أي: يجمعون، وهو ظاهر، يجمعون إلى جهنم بكفرهم بالله.
وقوله - عز وجل -: { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ }.
جعل الله - تعالى - الخبيث مختلطاً بالطيب في الدنيا في سمعهم، وبصرهم، ونطقهم، وجميع جوارحهم، ولباسهم، وطعامهم، وشرابهم، وجميع منافعهم من [الغنى] والفقر وأنواع المنافع، جعل بعضهم ببعض مختلطين في الدنيا؛ على ما ذكرنا، لكنه ميز بين الطيب والخبيث في الآخرة بالأعلام، يعرف بتلك الأعلام الخبيث من الطيب؛ من نحو ما ذكر في الطيب: قوله:
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22-23] { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } [عبس: 38-39] وقال في الكافرة: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [عبس: 40-41] وقال: { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [طه: 102]، وقوله: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [الإسراء: 97]، وقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً... } الآية [طه: 124] وغير ذلك من الآيات؛ ميز الله - تعالى - بين الخبيث والطيب بالأعلام التي ذكرنا في سمعهم، وبصرهم، ووجوههم، ولباسهم، ومأكلهم، ومشربهم؛ حتى يعرفوا جميعاً بالأعلام.
ويحتمل ما ذكر من التمييز بين الخبيث والطيب: بالمباهلة التي جرت بين أبي جهل وبين النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال أبو جهل: انصر من أهدانا سبيلاً، وأبرنا قسماً، وأوصلنا رحماً، فأجيب بنصر رسوله وأصحابه، فميز بين المحق والمبطل.
ويحتمل ما ذكر من التمييز في الآخرة؛ كقوله:
{ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7].
وقوله - عز وجل -: { ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً }.
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يجعلهم دركات بعضها أسفل بعض؛ كقوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [النساء: 145].
والثاني: يحتمل أن يجعل بعضهم على بعض مقرنين في الأصفاد.
{ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } قيل: يجمعه جميعاً بعضهم على بعض.
ويحتمل [قوله]: { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } إخباراً عن الضيق؛ كقوله:
{ وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً } [الفرقان: 13].
وقال القتبي: { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً }، أي: يجعله ركاماً بعضه فوق بعض.
وكذلك قال أبو عوسجة: يقال: ركمت المتاع: إذا جعلت بعضه فوق بعض.
وقوله: { فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ }.
الجهنم: هو المكان الذي يجمع أهل النار في التعذيب.