خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ
١٥٤
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ
١٥٥
ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
١٥٦
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ } هذه الآية نزلت في قتلى بدر وكان المقتول من المسلمين أربعة عشر: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، لما قال المشركون والمنافقون هؤلاء قد ماتوا وضيعوا على أنفسهم الحياة ولذاتها وقد ادعوا أنهم ماتوا في مرضاة محمد فنزلت هذه الآية. قوله: (هم) { أَمْوَاتٌ } اشار بذلك إلى أن أموات خبر لمبتدأ محذوف والجملة في محل نصب مقول القول، والمعنى يحرم قول ذلك للشهيد لأنه ليس بموت حقيقة، وإنما هو انتقال من دار الكدر إلى دار الصفا ومن دار الحزن إلى دار السرور. قوله: { لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ } أي وهم الشهداء وسموا بذلك لأن أرواحهم شهدت دار السلام عند خروجها من البدن، أو لأن الملائكة تشهد له بنصره لدين الإسلام.
قوله: { بَلْ } (هم) { أَحْيَاءٌ } أي حياة أخروية بالجسم والروح ليس كحياة أهل الدنيا، لا يشاهدها إلا أهل الآخرة ومن خصه الله بالإطلاع عليها وهذا هو التحقيق خلافاً لمن قال إنهم أحياء بالروح فقط لأنه يرد بأن كل انسان حي الروح مسلماً كان أو كافراً لعدم فناء الروح ولا مزية للشهيد على غيره وهذه الحياة حقيقة، وإنما خروج روحه انتقال من دار إلى أخرى وهي مزية من مزايا الأنبياء فلا يقال إنهم ساووهم، وحكمة عدم تغسيل الشهداء بقاء دمهم ليشهد لهم يوم القيامة، لما في الحديث
"زملوهم بثيابهم اللون لون الدم والريح ريح المسك" وأما تغسيل الأنبياء فتعبدي أو للتشريع ولا تأكل الأرض أجساد الشهداء. قوله: (أرواحهم في حواصل الطير الخ) أي كالهودج لها، وأما أرواح المؤمنين المطيعين الغير الشهداء فتنعم خارج الجنة بريحها ومأواها البرزخ، وأما أرواح العصاة والكفار فهي مسجونة لا تصرف لها، وأما أرواح الأنبياء فورد أنها تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش في الجنة، وأما أرواح صغار المؤمنين ففي الجنة في كفالة إبراهيم وسارة.
قوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } اللام موطئة لقسم محذوف أي والله لنبلونكم ونبلون جوابه، واقترن باللام ولنون لكونه مضارعاً مثبتاً مستقبلاً، والمعنى لنختبركم أيها المؤمنون لما في الحديث
"الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" أو ولو كان المؤمن في غاية نعيمها والكافر في أشد ضيقها. قوله: (القحط) هو في الأصل تخلف المطر وهو سبب في الجوع، فقد فسر الشيء بسببه. قوله: (بالجوائح) أي الآفات المتلفة للزرع ونحوه. قوله: (أي لنختبركم) أي لنظهر ذلك للملائكة ولبعضكم فمن صبر فله الرضا، ومن جزع فله السخط. قوله: (بالجنة) متعلق ببشر، والمعنى بشرهم بالجنة من غير سابقة عذاب. قوله: (هم) { ٱلَّذِينَ } أشار بذلك إلى أن الذين خبر لمبتدأ محذوف وقاع في جواب سؤال مقدر قيل نعت مقطوع، وقيل إن الذين نعت للصابرين وهو أحسنها، وقيل منصوب على المدح بفعل محذوف تقديره أمدح، وقيل مبتدأ خبره قوله أولئك. قوله: { مُّصِيبَةٌ } أي مصيبة كانت سواء كانت فقد مال أو نفس أو جوعاً أو خوفاً أو غير ذلك.
قوله: { إِنَّا للَّهِ } أي مملوكون ومخلوقون له يتصرف فينا على ما أراد، وهذه المقالة من خصائص هذه الأمة، ولو كانت لغيرهم لكانت ليعقوب حين فقد يوسف فقال يا أسفا. قوله: { وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي صائرون. قوله: (من استرجع) أي قال إن لله وإنا إليه راجعون. قوله: (آجره الله فيها) أي بسببها وفي المصباح أجره الله أجراً من بابي ضرب وقتل وآجره بالمد لغة ثالثة إذا أثابه. قوله: (وأخلف عليه خيراً) أي منها إما في الآخرة فقط أو فيها وفي الدنيا، فمن رضي بأحكام الله وصبر على ما أصابه فله الرضا من الله، ولكل مصيبة دواء إلا الموت على الكفر والعياذ بالله تعالى، قال بعضهم:

لكل شيء إذا فارقته عوض وليس لله إن فارقت من عوض

قوله: (إنما هذا مصباح) أي شيء قليل.