خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
١٥٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ
١٥٩
إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
١٦٠
إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١٦١
خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ
١٦٢
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { إِنَّ ٱلصَّفَا } جمع صفاة اسم للحجر الأملس، والمراد هنا الجبل المعروف الذي يبتدأ السعي منه. قوله: { وَٱلْمَرْوَةَ } في الأصل اسم للمكان الرخو، والمراد هنا الجبل الذي ينتهي السعي إليه، قوله: (جبلان بمكة) أي بجوار المسجد الحرام. قوله: { مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ } أي من أمور دين الله التي تعبدنا بها فمن أنكر كون السعي من أمور الدين فقد كفر. قوله: { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ } الحج في اللغة القصد واصطلاحاً عبادة، يلزمها طواف بالبيت سبعاً وسعي بين الصفا والمروة كذلك، ووقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجة على وجه مخصوص.
قوله: { أَوِ ٱعْتَمَرَ } العمرة في اللغة الزيادة واصطلاحاً عبادة، يلزمها طواف وسعي على وجه مخصوص. وله: (وأصلهما القصد إلخ) لف ونشر مرتب. قوله: (فيه إدغام التاء في الأصل) أي فأصله يتطوف قلبت التاء طاء ثم أدغمت في الطاء. قوله: (لما كره المسلمون) أي حين كرهوا ذلك. قوله: (وعليهما صنمان) أحدهما يسمى أسافاً والثاني يسمى نائلة، قيل كانا على صورة رجل وامرأة، وذلك أن رجلاً اسمه أساف وامرأة اسمها نائلة زنيا في الكعبة فمسخهما الله حجرين على صورتهما الأصلية، فلما تقدم الزمان عبدتهما الجاهلية، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك ونسخه. قوله: (غير فرض) أي ووافقه على ذلك أبن حنبل. قوله: (من التخيير) ليس المراد أنه مباح بل هو مطلوب بدليل ضم أول الآية لأخرها. قوله: (غيره) أي وهو مالك. قوله: (إن الله كتب عليكم السعي) تمامه "فاسعوا" وأصل الحديث
"اسعوا فإن كتب عليكم السعي" فتحصل أن الآية ليست صريحة في الفرضي ولا في الوجوب وإنما أخذ ذلك من السنة. قوله: (وفيه إدغام التاء) أي بعد قلبها طاء. قوله: (أي بخير) أشار بذلك إلى أن خيراً منصوب بنزع الخافض. قوله: (من طواف وغيره) أي كسعي في حج أو عمرة أو طواف مطلقاً، لأن عبادة الطواف لا تقيد بالنسك بخلاف السعي.
قوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ } هذا دليل الجواب وليس هو الجواب بل هو محذوف تقديره شكره الله لأن الله شاكر عليم، والشكر في الأصل مجازاة أصحاب الحقوق عليها، وليس ذلك مراداً في حق مولانا، وإنما المراد عاملناه معاملة الشاكر بأنه ألزم نفسه الجزاء من فضله لأنه كريم واسع العطاء. قوله: (ونزل في اليهود) أي في أحبارهم ككعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وعبد الله بن صوريا قوله: (الناس) قدره المفسر إشارة إلى أنه مفعول يكتمون الثاني، والمعنى يكتمون الحق عن الناس بحيث يظهرون الباطل ويخفون الحق من نعت محمد وغيره. قوله: { مَآ أَنزَلْنَا } أي الشيء أو الذي أنزلناه، وقوله من البينات بيان لما، والمراد بالبينات الآيات الواضحات التي من أذعن لها فقد اهتدى، وعطف الهدى عليها للتفسير. قوله: (كآية الرجم) أي الكائنة في التوراة، وهي أن من زنى يرجم فمحوها وقالوا لم يكن ذلك عندنا فحصل منهم التكذيب لنبيهم. قوله: (ونعت محمد) أي صفاته وأخلاقه من مولده إلى إنتهاء أجله، وهذان مثالان للبينات والهدى معاً لأن بالآيات يحصل الهدى.
قوله: { لِلنَّاسِ } أي عموماً. قوله: { أُولَـٰئِكَ } مبتدأ وجملة يلعنهم الله خبره وأتى بإشارة البعيد إشارة لبعدهم عن رحمة الله. قوله: (والمؤمنون) أي من غيرهم كلإنس والجن. قوله: (أو كل شيء) أي حتى الجمادات والحيتان في البحر، ويشهد له الحديث
"العاصي يعلنه كل شيء حتى الحيتان في البحر" . وأو لتنويع الخلاف، ثم إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذا الوعيد وإن كان وارداً في كل شيء خاص إلا أنه لكل من كتم علماً، ومنه شاهد الزور والمفتي بغير الحق.
قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } استثناء متصل أفاد به أن اللعنة معلقة. قوله: (رجعوا عن ذلك) أي الكتمان بأن أنصفوا من أنفسهم وأسلموا فهذا الوعيد خاص بمن مات كافراً، وأما من مات مؤمناً ولو عاصياً فليس له هذا الوعيد، ولا يجوز الدعاء باللعنة على المعين ولو كافراً إلا أن يثبت موته على الكفر، وأما غير المعين فيجوز على الكافر والعاصي. قوله: { وَأَصْلَحُواْ } (عملهم) أي في المستقبل كعبد الله بن سلام وأضرابه. قوله: (ما كتموا) أي من البينات والهدى، ويحتمل أن قوله تعالى وبينوا أي التوبة. قوله: { فَأُوْلَـئِكَ } أتى بإشارة البعيد إشارة لرفعة رتبتهم على رتبة غيرهم على حد (ذلك الكتاب). قوله: { وَأَنَا التَّوَّابُ } أي الكثير القبول لتوبة من تاب، والجملة حالية من فاعل أتوب. قوله: (بالمؤمنين) أي ولو عصاة والمراد من مات مسلماً.
قوله: { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا } أي أحباراً أو غيرهم، وقوله: { وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } أي استمروا على الكفر حتى ماتوا عليه. قوله: (أي هم مستحقون ذلك) أشار بذلك لدفع التكرار، كأنه قال: المراد باللعنة الأولى حصولها بالفعل وبالثانية استحقاقها، وفي الحقيقة لا تكرار لأن ما تقدم في الكفار من أحبار اليهود وهذا في الكفار عموماً. قوله: (قبل عام) أي حتى الكفار لأنه يلعن بعضهم بعضاً. قوله: (وقيل المؤمنون) أي من الإنس والجن والملائكة. قوله: (أي اللعنة) أي ويلزم من خلوده في اللعنة خلوده في النار. قوله: (المدلول بها) أي اللعنة وقوله أي عليها أي النار. قوله: (طرفة) أي مقدار وتغميض العين وفتحها العادي. قوله: (يمهلون) أشار بذلك إلى أنه من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير، قال تعالى:
{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [النساء: 56] أجارنا الله والمسلمين من النار. قوله: (ونزل) أي بمكة لأن هذه الآية وما بعدها مكية وإن كانت السورة مدنية. قوله: (لما قالوا) أي مشركوا العرب وكانوا إذ ذاك يعبدون ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة، نزلت سورة الإخلاص أيضاً رداً عليهم.