خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٩٩
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ
٢٠٠
وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ
٢٠١
أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٢٠٢
وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٠٣
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { ثُمَّ أَفِيضُواْ } أي قفوا بعرفة، وتقدم أن معنى الإفاضة الدفع فأطلقه وأراد لازمه وهو الوقوف. قوله: (ترفعاً) أي تكبراً. قوله: (وثم للترتيب في الذكر) جواب عن سؤال مقدر حاصله أن الإتيان بثم يقتضي أن الأمر بالوقوف بعد رجع الناس من عرفة ووصولهم منى مع أن الأمر ليس كذلك، فأجاب المفسر بذلك، وأجيب أيضاً بأن ثم بمعنى الواو وهي لا تقتضي ترتيباً وأجيب أيضاً بأن في الكلام تقديماً وتأخيراً، فقوله: (ثم أفيضوا) معطوف على قوله فاتقون، وقوله: (فإذا أفضتم) مرتب عليه، ويكون الخطاب لعموم الناس. قوله: { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } أي اطلبوا منه مغفرة ذنوبكم بتلك المواضع المطهرة فإنها مهبط تجلي الرحمات وإجابة الدعوات.
قوله: { مَّنَاسِكَكُمْ } جمع منسك وهي العبادات التي عين الشارع لها أماكن مخصوصة، كالطواف لا يكون إلا بالبيت، والسعي لا يكون إلا بين الصفا والمروة، والوقوف لا يكون إلا بعرفة، والرمي لا يكون إلا بمنى، فالمعنى أديتم العبادات في أماكنها المعهودة. قوله: (المفاخرة) كانت العرب في الجاهلية بعد فراغ حجهم يذكرون آبائهم بالخصال الحميدة نظماً ونثراً فكان الواحد منهم يقول مثلاً إن أبي كان كبير الجفنة أي القصعة فتاكاً بالشجعان وهكذا الآية يوما اجتماع للقبائل من العام إلى العام. قوله: (من ذكراً المنصوب باذكروا) أي على المصدرية. قوله: (إذ لو تأخر عنه لكان صفة له) أي لأن القاعدة أن نعت النكرة إذ تقدم عليها يعرب حالاً وتعرب النكرة بحسب العوامل، فيكون التقدير فاذكروا الله ذكراً كائناً كذكركم آباءكم أو أشد.
قوله: { فَمِنَ ٱلنَّاسِ } هذا بيان لحال من يقف بعرفة، قوله: { مِنْ خَلاَقٍ } من صلة قوله: (نصيب) أي حظ وهذا دعاء غير المؤمنين بغير الآخرة، وقوله ومنهم هذا هو دعاء المؤمنين بها. قوله: (نعمة) أي بركة وخيراً وذلك كالعافية والزوجة الحسنة والدار الواسعة وغير ذلك مما يعين على الدار الآخرة فكل أمر في الدنيا يوافق الطبع ويعين على الدار الآخرة فهو من حسنات الدنيا. قوله: (هي الجنة) أي دخولها بسلام بحيث يموت على الإسلام والا يلحقه حساب ولا عذاب ويرى وجه الله الكريم، وهذا أحسن ما فسر به حسنة الدنيا والآخرة، وهو معنى قوله في الحديث لعائشة:
"سلي الله العافية في الدارين" .
قوله: { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } من عطف اللازم على الملزوم، وأصل قنا أو قنا حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها في المضارع ثم حذفت الهمزة للإستغناء عنها لأنه أتى بها توصلاً للنطق بالساكن وقد زال، وقد ورد أن المؤمن الناجي يكون بينه وبين النار مسيرة خمسمائة عام عرضاً وعمقاً. قوله: (بعدم دخولها) أي أصلاً فلا ندخلها ولا نراها. قوله: (لما كان عليه المشركون) أي هو الأول، وقوله، ولحال المؤمنين أي وهو الثاني.، قوله: (الحث على طلب خيري الدارين) أي لا التخيير بين كونه يدعوه بشيء يؤتاه في الدنيا فقط، أو بحسنة الدنيا والآخرة، والخسة الأول في دعائهم لم يبين الله ما طلبوه في الدنيا. قوله: (ثواب) أي على الطلب فيؤتون سؤالهم ويزادون ثواباً على طلبهم، ذلك لأن الدعاء مع العبادة. قوله:(في قدر نصف نهار) بل قد ورد أنه في مقدار ساعة بل ورد أيضاً كلمح البصر، وذلك كناية عن عظيم قدرته، فمن كان هذا وصفه ينبغي أن يتقي ويخشى، وما من أحد من لمحاسبين إلا ويرى أنه لا محاسب غير وذلك بعد انفضاض الموقف الذي تدنو الشمس فيه من الرؤوس، ويسيل العرق في الأرض سبعين ذراعاً، وتكون النار حول الخلائق، وتحيط الملائكة بالمخلوقات فيكونون سبع صفوف يحولون بينهم وبين النار، وهو يختلف باختلاف الناس فنسأل الله السلامة من أهواله. قوله: (عند رمي الجمرات) أي عند رمي كل حصاة من حصيات الجمار يقول الله أكبر، وكذلك عقب الصلوات وعند الذبح بأن يقول: بسم الله والله أكبر اللهم إن هذا منك وإليك، قوله: (أي أيام التشريق الثلاثة) أي وهو ثاني يوم النحر وتالياه، وأما يوم النحر فمعلوم للذبح غير معدود للرمي، واليومان بعده معلومات معدودان، والرابع معدود غير معلوم عند مالك وأبي حنيفة وعند الشافعي معلوم أيضاً، وما ذكره المفسر من أن المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة هو ما عليه مالك والشافعي، وإطلاق التشريق على الثلاثة اعتبار بمذهب الشافعي، والحاصل أن يوم النحر يفعل فيه رمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق ثم طواف الإفاضة، وفي الثاني يرمي ثلاث جمرات يبدأ بالتي تلي مسجد منى ثم بالوسطى ثم يختم بالعقبة، وكذا في الثالث والرابع إن لم يتعجل. قوله: (أي في ثاني أيام التشريق) دفع بذلك ما يتوهم أن له التعجل في كل من اليومين مع أنه لا معنى له. قوله: (بعد رمي جماره) أو هو بعد الزوال ومحل التخيير إن لم تغرب عليه الشمس وهو بمنى وإلا فيلزمه المبيت بها لرمي الثالث، وأصل مشروعية الرمي عند أمر إبراهيم الخليل بذبح ولده، فلما توجه به لمنى تعرض له الشيطان عند المسجد فرماه بسبع حصيات، ثم تعرض له عند الوسطى فرماه أيضاً بسبع، ثم تعرض له عند العقبة فرماه أيضاً بسبع، فهو ما زال سببه وبقي حكمه.
قوله: { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي لا حرج لأنه رخصة. قوله: (أي هم مخيرون) جواب عن سؤال وهو أن المتأخر أتى بالمطلوب فكيف ينفى عنه الإثم، وأجيب أيضاً بأن ذكر الإثم في جانب المتأخر مشاكلة، وأجيب أيضاً بأنه رد على من زعم من الجاهلية أن على المعجل الإثم وعلى من زعم منهم أن على المتأخر الإثم. قوله: (ونفي الإثم) { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } أشار بذلك إلى أن لمن اتقى خبر لمحذوف قدره بقوله ونفي الإثم. قوله: (لأنه الحاج على الحقيقة) وفي نسخة في الحقيقة أي لاستكماله الشروط والآداب، وأما غير المتقي فعليه الإثم مطلقاً تعجل أو تأخر كالحاج بالمال الحرام ومرتكب المعاصي. قوله: (فيجازيكم بأعمالكم) أي إن خيراً فخير وإن شراً فشر.