خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٢٤٩
وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٥٠
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٢٥١
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { فَلَمَّا فَصَلَ } أي انفصل وهو مرتب على محذوف تقديره فجمعهم. قوله: (وهو بين الأردن) بفتح الهمزة وسكون الراء وضم الدال وتشديد النون، موضع قريب من بيت المقدس، وقوله: (وفلسطين) بفتح الفاء وكسرها وفتح اللام لا غير، قال بعضهم إنه قرية، وقال بعضهم إنه عدة قرى قرب بيت المقدس.
قوله: { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } أي بكثرة بدليل ما بعده، وهذا النهر باق يجري إلى الآن بين الخليل وغزة. قوله: (يذقه) أشار بذلك إلى أن الطعم بمعنى الذوقان، يطلق على المأكول والمشروب. قوله: (بالفتح والضم) قراءتان سبعيتان بمعنى الشيء المغروف، وقيل بالفتح اسم للاغتراف وبالضم اسم للشيء المغروف، وقيل بالفتح والضم بمعنى المصدر أشهرها أوسطها. قوله: { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } استثناء من قوله فشربوا منه المقيد بالكثرة، فالمعنى إلا قليلا شربوا منه بقلة، فيؤخذ منه أن الجميع شربوا لكن أكثرهم شرب بكثرة، وأقلهم شرب منه بقلة. قوله: (وبضعة عشر) البضعة من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر، لكن المراد هنا ثلاثة عشر كما في أكثر الروايات وهم عدة غزوة بدر.
قوله: { فَلَمَّا جَاوَزَهُ } أي تعداه. قوله: { وَجُنودِهِ } قيل عدتهم مائة ألف شاكي السلاح وقيل أكثر، وكان طول جالوت ميلاً وخوذته التي على رأسه ثلثمائة رطل. قوله: { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ } استشكل بأن من شرب كثيراً مؤمنون أيضاً، وأجيب بأنهم صلب إيمانهم بكثرة شربهم، وأجيب أيضاً بان المراد يظنون أنهم ملاقوا الله أي بالموت في تلك الواقعة فلا أمل لهم في الحياة. قوله: { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } قيل من كلامهم من كلام الله بشارة لهم، والمراد معية معنوية خاصة. قوله: (أي ظهروا لقتالهم) أي فلم يبق بينهم حجاب أبداً، بل خرجوا في البراز الذي هو صحراء الأرض. قوله: (اصبب) { عَلَيْنَا صَبْراً } أي كصب الماء على الأرض الجرز.
قوله: { وَقَتَلَ دَاوُدُ } أي ابن أيشا من جملة عسكر طالوت، وكان أولاده ثلاثة عشر معه أصغرهم داود وكان يرعى الغنم، فلما خرجوا للقتال مر داود بحجر فناداه يا داود احملني فإني حجر هارون، فحمله ثم مر بآخر فقال له احملني فإني حجر موسى فحمله، ثم مر بآخر فقال له احملني فإني حجرك الذي تقتل به جالوت فحمله، ووضع الثلاثة في مخلاته، فلما تصافوا للقتال نادى طالوت كل من يقتل جالوت أزوجه ابنتي وأناصفه في ملكي، فلم يتقدم أحد، فسأل طالوت شمويل فدعا ربه فأتى بقرن فيه دهو وقيل له إن الذي يقتل جالوت هو الذي إذا وضع الدهن على رأسه لا يسيل على وجهه، فدعا طالوت القوم فصار يدهن رؤوسهم فلم تصادف تلك الصفة أحداً، إلى أن وصل لداود فصادف، فقال له أنت تبرز له؟ فقال نعم، فأتى بالمقلاع وأخرج حجراً من مخلاته وقالت باسم رب إبراهيم، وأخرج حجراً آخر وقال باسم رب إسحاق، وأخرج حجراً آخر وقال باسم رب يعقوب، ثم وضعها في مقلاعه فصارت الثلاثة حجراً واحداً، فرمى به جالوت فأصابه في خوذته وخرج من دماغه فقتل ثلاثين رجلاً، فأخذ داود جالوت حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح هو ومن معه من بني إسرائيل وزوجه ابنته وأعطاه نصف الملك، فمكث كذلك أربعين سنة، فلما مات طالوت وشمويل انفرد فعاش نبياً ملكاً سبع سنين، ثم خلفه سليمان ولده في النبوة والملك. قوله: { وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } أي استقلالاً سبع سنين. قوله: (كصنعة الدروع) أي وكان يلين في يده من غير نار وينسجه كالغزل. قوله: (ومنطق الطير) أي فهم أصواتها بل وجميع الحيوانات.
قوله: { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ } أي لولا أن الله دفع الناس وهم أهل الكفر والمعاصي، ببعض الناس وهم أهل الإيمان والطاعة، لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المؤمنين وخرجوا المساجد والبلاد، وقيل معناه لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار على الكفار والفجار لفسدت الأرض أي هلكت ومن فيها، ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر، وبالصالح عن الفاجر، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيت من جيرانه البلاء" ثم قرأ { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } الآية. قوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } يعني دفع الفساد على هذا الوجه بطريق إنعام الله وتفضله فعم الناس كلهم، ومن المعلوم أن لولا حرف امتناع لوجود فالمعنى امتنع فساد الأرض لأجل وجود دفع الناس بعضهم عن بعضهم، وهذه الآية كالدليل لما ذكر في القصة من مشروعية القتال، ونصر داود على جالوت.