خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ
٢٥٥
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } هذه الآية تسمى آية الكرسي وهي أفضل أي القرآن، لأن التوحيد الذي أستفيد منها لم يستفد من آية سواها، لأن الشيء يشرف بشرف موضوعه، فإنها اشتملت على أمهات المسائل الدالة على ثبوت الكمالات لله ونفي النقائض عنه تعالى، وورد في فضلها من الأحاديث الكثيرة ما يجل على الحصر، منها من قرأها عند خروجه من بيته كان في ضمان الله حتى يرجع، ومنها من قرأها دبر كل صلاة لم يمنعه دخول الجنة إلا الموت، ومنها ما قرئت في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوماً، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة، يا علي علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها، ومنها من قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله، ومنها سيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة الكرسي، ومنها ما ورد أنه نزل جبريل على موسى وقال له ربك يقول لك من قال عقب كل صلاة اللهم إني أقدم إليك بين يدي كل نفس ولمحة وطرفة يطرف بها أهل السماوات وأهل الأرض وكل شيء هو في علمك كائن أو قد كان أقدم إليك بين يدي ذلك كله الله لا إله إلا هو الحي القيوم إلى آخرها، فإن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة ليس منها ساعة إلا ويصعد إلى الله منه فيها سبعون ألف ألف حسنة، حتى ينفخ في الصور وتشتغل الملائكة، وأخذ العارفون منها فوائد جمة منها من قرأها عقب كل صلاة أربع وعشرة عدة فصولها أحبه العالم العلوي والسفلي، ومن قرأها عدة الرسل ثلاثمائة وثلاث عشرة فرج الله عنه وأزال عنه ما يكره، ومنها من قرأها عدد حروفها وهي مائة وسبعون حرفاً لا يطلب منزلة إلا وجدها ولا سعة إلا نالها ولا فرجاً من سائر الشدائد إلا حصل، ومنها أنه إذا سقي المبطون حروفها مقطعة شفي بإذن الله، ومنها من كتبها عدد كلماتها وهي خمسون كلمة وحملها أدرك غرضه من عدوه وحاسده، وإن كان للمحبة والألفة نال مقصده، وتسميتها آية الكرسي من باب تسمية الشيء باسم جزئه لذكره فيها. قوله: (الدائم البقاء) أي فحياته ذاتية له.
قوله: { ٱلْقَيُّومُ } هو من صيغ المبالغة وإن لم تكن من الصيغ المشهورة. قوله: (المبالغ في القيام بتدبير خلقه) أي فلا يشغله شأن عن شأن (ولا تخفى عليه خافية) أبداً سواء منكم من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب النهار، وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، فقوم السماء وزينها، وبسط الأرض وجملها، وأرضى كل إنسان بما قسم له من غير تعب يحصل له من ذلك، قال تعالى:
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38].
قوله: { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ } هذا من صفات السلوب والسنة هي النوم في العين وهي نوم الأنبياء. قوله: { وَلاَ نَوْمٌ } عرف بأنه فترة طبيعية تهجم على الشخص قهراً عليه، تمنع حواسه الحركة وعقله الإدراك، إن قلت حيث كان منزهاً عن السنة فهو منزه عن النوم بالأول أجيب بأنه زيادة في الإيضاح، وأجيب أيضاً بأنه ذكر النوم لأنه ربما يتوهم من كونه يهجم قهراً أنه يغلبه فلا يلزم من نفي السنة نفي النوم وهذا هو الأثم، لأنه لا يلزم من نفي الأخف نفي الأثقل. إن قلت: إن الملائكة أيضاً لا تأخذهم سنة ولا نوم فليس في ذكر هذه الصفة مزيد مزية. أجيب: بأن تنزه الملائكة عن النوم من إخبار الله فقط، وإلا فالعقل يجوزه عليهم بخلاف تنزه الله عنه، فالدليل العقلي قائم على تنزهه عنه. قوله: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } كالدليل لما قبله، وأتى بما تغليباً لغير العاقل لكثرته. قوله: (ملكاً) بضم الميم معناه التصرف، وقوله وخلقاً أي إيجاداً، وقوله وعبيداً أي مملوكين له (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) ولا نزاع في كون السماوات والأرض ملكاً لله، قال تعالى:
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 9] وفي ذلك رد على الكفار حيث أثبتوا له شريكاً، فكأن الله يقول لهم ما أشركتموه لا يخرج عن السماوات والأرض، وشأن الشريك أن يكون مستقلاً خارجاً عن مملكة الشريك الآخر.
قوله: { مَن ذَا } اسم استفهام مبتدأ و{ ٱلَّذِي } خبره وهو استفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا شفيع في أحد يستحق النار يشفع عنده بغير مراده. قوله: (أي لا أحد) تفسير للاستفهام الإنكاري. قوله: { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي مراده. قوله: (أي من أمر الدنيا) راجع لقوله ما بين أيديهم، وقوله: (والآخرة) راجع لقوله: { وَمَا خَلْفَهُمْ } فهو لف ونشر مرتب ويصح العكس فيكون لفاً ونشراً مشوشاً، والأقرب أن يقال المراد بما بين أيديهم ما يستقبل من الدنيا والآخرة، وقوله وما خلفهم ما انقضى من أمر الدنيا، فعلم أمر الدنيا والآخرة مستو عنده بخلاف المخلوقات، قال الشاعر:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عمي

قوله: (أي لا يعلمون شيئاً من معلوماته) دفع بذلك ما يتوهم أن علم الله يتجزأ مع أنه ليس كذلك، وما يتوهم أيضاً أنه يشاء إطلاع أحد على علمه مع أنه مستحيل، إذ ليس في طاقة الحادث اطلاع على حقيقة القديم ولا صفاته، سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته. قوله: (منها) إي من معلوماته. قوله: (بأخبار الرسل) أي فلا يصل لأحد علم إلا بواسطة الأنبياء، فالأنبياء وسائط لأممهم في كل شيء، وواسطتهم رسول الله، قال العارف: اللهم صل على من منه انشقت الأسرار، وانفلقت الأنوار، وفيه ارتقت الحقائق، وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق. قوله: (وقل أحاط علمه بهما) أي فالكرسي بضم الكاف وكسرها يطلق على العلم، كما يطلق على السرير الذي يجلس عليه. قوله: (وقيل الكرسي نفسه) أي وهو مخلوق عظيم فوق السماء السابعة، يحمله أربعة ملائكة، لكل ملك أربعة أوجه أرجلهم تحت الصخرة التي تحت الأرض السابعة، وتحت الأرض السفلى ملك على صورة آدم يسأل الرزق لبني آدم، وملك على صورة الثور يسأل الرزق للبهائم، وملك على صورة السبع يسأل الرزق للوحوش، وملك على صورة النسر يسأل الرزق للطيور، بينهم وبين حملة العرش سبعون حجاباً من ظلمه، وسبعون حجاباً من نور، سمك كل حجاب خمسمائة سنة، وذلك لئلا تحترق حملة الكرسي من نور حملة العرش، وخلق العرش والكرسي من حكم الله لا لاحتياج لهما. قال صاحب الجوهرة:

والعرش والكرسي ثم القلم والكاتبون اللوح كل حكم

قوله: (في ترس) هو ما يتترس به عند الحرب، وهو المسمى بالدرقة. قوله: { وَلاَ يَؤُودُهُ } أي الله وهو ظاهر، أو الكرسي وهو أبلغ، لأنه إذا لم تثقل السماوات والأرض مع عظمها الكرسي مع أنه مخلوق فكيف بخالقه. قوله: { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ } أي المنزه عن صفات الحوادث فهو من صفات السلوب. قوله: { ٱلْعَظِيمُ } أي المتصب بالعظم وقدم العلي عليه لأنه من باب تقديم التخلية على التحلية.