خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٨٦
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: (فنزل) { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ } أي فهذه الآية إما ناسخة للأولى أو مبينة لها، وتقدمت الإشارة بذلك.
قوله: { لَهَا مَا كَسَبَتْ } عبر في جانب الخير باللام، وفي جانب الشر بعلى، لأن اللام للمسرة وعلى للمضرة، وعبر في جانب الطاعة بكسبت، وفي جانب المعصية باكتسبت، لأن شأن المعصية التعالي والشهوة بخلاف الطاعة فشأنها عدم الشهوة لما في الحديث
"حفت الجنة بالكارة وحفت النار بالشهوات" وأيضاً لا يؤخذ في المعصية بالهم بل بالعزم أو الفعل بخلاف الطاعة فيكتب له ثواب الهم عليها، وأيضاً يؤجر المرء رغماً عن انفه بخلاف المعصية، وأيضاً الطاعة تتعدى لغير فاعلها بخلاف المعصية. قوله: (ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد) هذا في جانب المعصية، وأما في جانب الطاعة فقد تنفع في غير فاعلها. قوله: (ولا بما لم يكسبه) المناسب يكتسبه. قوله: (مما وسوست به نفسه) أي من هاجس وخاطر وحديث نفس وهم.
قوله: { إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } أي أو استكرهنا عليه، وقد علم ذلك من قوله لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. ومن هنا إلى آخر السور سبع دعوات مستجابة. قوله: (تركنا الصواب لا عن عمد) تفسير لكل من الخطأ والنسيان. قوله (كما ورد في الحديث) أي
"رفع عن أمتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه" قوله: (فسؤاله اعتراف بنعمة الله) جواب عما يقال حيث رفعه الله فما وجه سؤالنا لرفعه فأجاب بما ذكر. قوله: (من قتل النفس في التوبة) أي حين عبدوا العجل فتوبتهم قتل طائعهم العاصي منهم، وأما توبتنا فالندم. قوله: (وإخراج ربع المال في الزكاة) أي وأما نحن فربع العشر في النقدين والعشر أو نصفه في الحبوب، قوله: (وقرض موضع النجاسة) أي من الثواب أو البدن. قوله: (من التكاليف) أي فلم يكفنا بالحج من غير استطاعة مثلاً، ولا بالصلاة من قيام مع كونه مريضاً لا يقدر عليه، ولا باستعمال الماء مع عدم القدرة عليه. قوله: (والبلاء) أي مكان ينزل بمن قبلنا الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والصيحة والخسف والمسخ، وغير ذلك من أنواع البلايا العامة التي لا تبقي ولا تذر. قوله: (امح ذنوبنا) أي من الصحف.
قوله: { وَٱغْفِرْ لَنَا } أي استرها عن أعين المخلوقات. قوله: { وَٱرْحَمْنَآ } أي أنعم علينا وذلك في حق من تاب جزماً، وأما من لم يتب ومات فأمره مفوض لخالقه. قوله: (سيدنا ومتولي أمورنا) هذا أحد معاني المولى ويطلق على الناصر، ولا شك أن الله كذلك. قوله: (أن ينصر مواليه) أي عبيده فإن المولى كما يطلق على العبد يطلق على السيد. قوله: (عقيب) لغة رديئة في عقب. وقوله: (كل كلمة) أي هي سبع وكلها مستجابة، وكرر لفظ ربنا بين المتعاطفات زيادة في التضرع. قوله: (قد فعلت) أي أجبت مطلوبكم لما في الحديث:
"إن الله لأفرح بتوبة عبده ممن ظلت منه راحلته فوجدها بعد طلبها" وفي رواية "لما قرأ النبي قوله: (غفرانك ربنا) قال الله قد غفرت، وفي قوله: (ولا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا) قال لا أؤخاذكم، وفي قوله: (ولا تحمل علينا إصرا) قال لا أحمل عليكم، وفي قوله: (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) قال لا أحملكم، وفي قوله: (واعف عنا واغفرن لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)، قال قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين" ، والحكمة في زيادة قوله القوم ولم يقل الكافرين، إنه لا يلزم من النصرة على أفراد الكفار النصرة على الهيئة المجتمعة وفي هذه الآية تعليم آداب الدعاء، وفي الحديث: "إذا دعوتم فعمموا" .