خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٨
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { قُلْنَا } (لهم) القائل الله سبحانه وتعالى على لسان موسى وهم في التيه بطريق الكشف والمعنى إذا خرجتم من التيه بعد مضي الأربعين سنة فادخلوا إلخ، وأما إن كان بعد الخروج من التيه فيكون ذلك على لسان يوشع وهو المعتمد. قوله: { هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } هذه منصوبة عند سيبويه على الظرف، وعند الأخفش على المفعولية، والقرية نعت لهذه أو عطف بيان وهي مشتقة من قريت أي جمعت لجمعها لأهلها، وهي في الأصل اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم، وقد تطلق عليهم مجازاً، وقوله تعالى: { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82] يحتمل الوجهين: قوله: (بيت المقدس) هو قول مجاهد، وقوله أو أريحا هو قول ابن عباس المقدس وهي بفتح الهمزة وكسر الراء والحاء المهملة قرية بالغور بغين معجمة مكان منخفض بين بيت المقدس وحوران، وعبارة الخازن قال ابن عباس القرية هي أريحا قرية الجبارين، قيل كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عنق.
قوله: { فَكُلُواْ } أتى بالفاء لأن الأكل منها إنما يكون بعد الدخل فحسن الترتيب، ولم يأت بالفاء في الأعراف بل أتى بالواو لتعبيره هناك اسكنوا وهو بجامع الأكل، فلم يحصل بينهما ترتيب فلذا أتى بالواو بخلاف الدخول فيعقبه الأكل عادة فلذلك أتى بالفاء. قوله: (أي بابها) أي أريحا وهو المعتمد والمراد أي باب من أبوابها وكان لها سبعة أبواب أو بيت المقدس، ومن قال بذلك فالمراد باب من أبواب المسجد يسمى الآن بباب حطة. قوله: (منحنين) أي على صورة الراكع، وقيل إن السجود حقيقة وهو وضع الجبهة على الأرض، وقيل المراد بالسجود التواضع والذل لله والأمر بالسجود قيل لصغر الباب وقيل تعبدي. قوله: (مسألتنا) إشارة إلى أن حطة خبر لمحذوف قدره المفسر، والجملة في محل نصب مقول القول، وحطة بوزن قعدة أو جلسة ومعناها حطيطة الذنوب عنا. قوله: (خطايانا) جمع خطيئة وهي الذنوب التي ارتكبوها من عبادة العجل، وقولهم أرنا الله جهرة إلى غير ذلك، وفي قراءة شاذة بنصب حطة إما مفعول مطلق أي حط عنا الذنوب حطة أو مفعول لمحذوف أي نسألك حطة ومعنى حطها إزالتها ومحوها.
قوله: { نَّغْفِرْ } هذه القراءة تناسب ما قبلها وما بعدها لأنه تكلم. قوله: (وفي قراءة بالياء والتاء) أي وهما مناسبان لمعنى الخطايا والخطايا مجازي التأنيث، فلذلك جاز تذكير الفعل وتأنيثه. قوله: { خَطَٰيَٰكُمْ } جمع خطيئة وأصله خطائي بياء قبل الهمزة فقلبت تلك الياء همزة مكسورة فاجتمع همزتان فقلبت الثانية ياء وقلبت كسرة الهمزة الأولى فتحة، ثم يقال تحركت الياء التي بعد الهمزة وانفتح ما قبلها فقلبت الفاً فصار خطاءاً بألفين بينهما همزة فاستثقل ذلك لأن الهمزة تشبه الألف، فكأنة اجتمع ثلاث الفات متواليات قلبت الهمزة للخفة هنا، ففيه خمس إعمالات قلب الياء التي قبل الهمزة همزة ثم قلب الهمزة الثانية ياء ثم قلب كسرة الأولى فتحة ثم قلب الثانية ألفاً ثم قلب الأولى ياء تأمل، وخطايا هنا باتفاق القراء، وأما في الإعراف فيقرأ خطيئات، وحكمة ذلك أنه هنا أسند القول لنفسه فهو يغفر الذنوب وإن عظمت فناسب التعبير بخطايا الذي هو جمع كثرة، وفي الأعراف بنى الفعل للمجهول فعبر بجمع القلة، وقوله نغفر مجزوم في جواب قوله ادخلوا المقيد بالسجود وبالقول. قوله: { وَسَنَزِيدُ } عبر بالسين والمضارع إشارة إلى أن المحسن لا ينقطع ثوابه بل دائماً يتجدد شيئاً فشيئاً.