خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
٣١
قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ
٣٢
قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ
٣٣
قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ
٣٤
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ
٣٥
فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
٣٦
ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ
٣٧
-النمل

حاشية الصاوي

قوله: { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } أي الأشراف، سموا بذلك لأنهم يملؤون العين بمهابتهم، وكانوا ثلاثمائة واثني عشر، لكل واحد منهم عشرة آلاف من الأتباع. قوله: { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً } إي إن عادتي معكم لا أفعل أمراً حتى أشاوركم. قوله: { أُوْلُو قُوَّةٍ } الخ، استفيد من ذلك أنهم أشاروا عليها بالقتال أولاً، ثم ردوا الأمر إليها. قوله: (نطعك) مجزوم في جواب الأمر.
قوله: { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ } الخ، أي فلم ترض بالحرب الذي أشاروا عليها به، بل اختارت الصلح وبينت سببه. قوله: { إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً } أي عنوة. قوله: { بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } أي منتظرة رجوع الرسل وعودهم إلي. قوله: (إن كان ملكاً قبلها) أي وقاتلناه. قوله: (أو نبياً لم يقبلها) أي واتبعناه، لأنها كانت لبيبة عاقلة تعرف سياسة الأمور. قوله: (ألفاً بالسوية) أي خمسمائة ذكر، وخمسمائة أنثى. قوله: (فأمر أن تضرب لبنات الذهب والفضة) أي كما يضرب الطين. قوله: (وأن تبسط من موضعه) أي توضع في الأرض كالبلاط. قوله: (إلى تسعة فراسخ) أي وهو مسيرة يوم وثمن يوم. قوله: (وأن يبنوا) أي الجن: قوله: (عن يمين الميدان وشماله) أي وقصد بذلك إظهار البأس والشدة. وحاصل تفصيل تلك القصة: أن بلقيس عمدت إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، فألبست الجواري لباس الغلمان الأقبية والمناطق، وألبست الغلمان لباس الجواري، وجعلت في أيديهم أساور الذهب، وفي أعناقهم أطواق الذهب، وفي آذانهم أقرطة وشنوفاً، مرصعات بأنواع الجواهر، وحملت الجواري على خمسمائة فرس، والغلمان على خمسمائة برذون، على كل فرس سرج من ذهب مرصع بالجواهر وأغشية الديباج، بعثت إليه لبنات من فضة، وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت، وأرسلت بالمسك والعنبر والعود، وعمدت إلى حقة، جعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة، وخرزة جزع معوجة الثقب، ودعت رجلاً من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو، وضمت إليه رجلاً من قومها أصحاب عقل ورأي، وكتبت مع المنذر كتاباً تذكر فيه الهدية وقالت: إن كنت نبياً فميز الوصفاء والوصائف، وأخبرنا بما في الحقة قبل أن تفتحها، واثقب الدرة ثقباً مستوياً، وأدخل في الخرزة خيطاً من غير علاج أنس أو جن، وأمرت بلقيس الغلمان فقالت، إذا كلمكم سليمان، فكلموه بكلام فيه تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء، وأمر الجواري أن يكلموه بكلام في غلظة شبه كلام الرجال، ثم قالت للرسول: انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه، فإن نظر إليك نظراً فيه غضب، فاعلم أنه ملك لا يهولنك منظره فأنا أعز منه، وإن رأيت الرجل بشاشاً لطيفاً فاعلم أنه نبي، فتفهم قوله ورد الجواب، فانطلق الرسول بالهدايا، وأقبل الهدهد مسرعاً إلى سليمان فأخبره الخبر، فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبناً من الذهب والفضة ففعلوا، وأمره بعمل ميدان مقدار تسع فراسخ، وأن يفرش فيه لبن الذهب والفضة، وأن يخلوا قدر تك اللبنات التي معهم، وأن يعملوا حول الميدان حائطاً مشرفاً من الذهب والفضة ففعلوا، ثم قال سليمان: أي دواب البر والبحر أحسن؟ فقالو: يا نبي الله رأينا في بحر كذا دواب مختلفة ألوانها، لها أجنحة وأعراف ونواص، قال: عليّ بها، فأتوه بها، قال: شدوها عن يمين الميدان وشماله، وقال للجن: عليّ بأولادكم، فاجتمع منهم خلق كثير، فأقامهم على يمين الميدان وشماله، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره، ووضع أربعة آلاف كرسي على يمينه وعلى شماله، وأمر الجن والإنس والشياطين والوحوش والسباع الطير، فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله، فلما دنا القوم من الميدان ونظروا ملك سليمان، رأوا الدواب التي لم يروا مثلها تورث على لبن الذهب والفضة تقاصرت إليهم أنفسهم، وضعوا مامعهم من الهدايا، وقيل إن سليمان لما فرش الميدان بلبنات الذهب والفضة، ترك من طريقهم موضعاً على قدر ما معهم من اللبنات، فلما رأى الرسل موضع اللبنات خالياً، خافوا أن يتهموا بذلك، فوضعوا ما معهم من اللبن في ذلك الموضع، ولما نظروا إلى الشياطين هالهم ما رأوا وفزعوا، فقالت لهم الشياطين: جوزوا لا بأس عليكم، وكانوا يمرون على كراديس الإن والجن الوحش والطير، حتى وقفوا بين يدي سليمان، فأقبل عليهم بوجه طلق، وتلقاهم ملقى حسناً وسألهم عن حالهم، فأخبره رئيس القوم بما جاءوا به وأعطاه كتاب الملكة، فنظر فيه وقال: أين الحقة؟ فأتى بها وحركها، فجاء جبريل عليه السلام فأخبره بما فيها، فقال لهم: إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة وجزعة، فقال الرسول، صدقت، فأثقب الدرة وادخل الخيط في الجزعة، فقال سليمان: من لي بثقبها؟ وسأل الإنس والجن فلم يكن عندهم علم ذلك، ثم سأل الشياطين فقالوا: ترسل إلى الأرضة، فلما جاءت الأرضة أخذت شعرة في فمها ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ قالت: تصيّر رزقي في الشجر، فقال لها: ذلك لك، ثم قال: من لهذه الخرزة؟ فقالت دودة بيضاء: أنا لها يا نبي الله، فأخذت الدودة خيطاً في فمها ودخلت حتى الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ قالت: يكون رزقي في الفواكه، فقال: لك ذلك. ثم ميز بين الغلمان والجواري بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم، فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها وتضرب بها الأخرى وتغسل وجهها، والغلام يأخذ الماء بيديه ويضر به وجهه، وكانت الجارية تصب الماء على باطن ساعدها، والغلام يصبه على ظاهره، فميّز بين الغلمان والجواري، ثم رد سليمان الهدية كما أخبر الله عنه بقوله: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } الخ.
قوله: { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ } الخ، استفهام إنكاري وتوبيخ، أي لا ينبغي لكم ذلك. قوله: { وَهُمْ صَاغِرُونَ } حال ثانية مؤكدة للأولى. قوله: (أي إن لم يأتوني مسلمين) أفاد بذلك أن يمين سليمان معلق على عدم إتيانهم مسلمين. قوله: (داخل سبعة أبواب) صوابه أبيات، وقد تقدم أنه داخل سبعة أبيات، فيكون حينئذ في داخل أربعة عشر نبياً. قوله: (حرساً) بفتحتين جمع حارس. قوله: (قيل) بفتح القاف أي ملك، سمي بذلك لأنه ينفذ ما يقول. قوله: (إلى أن قربت منه) أي من سليمان. قوله: (شعر بها) أي علم، وذلك أنه خرج يوماً فجلس على سريره فسمع وهجا قريباً منه فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت هنا بهذا المكان، وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان.