خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ
٧٧
قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ
٧٨
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
٧٩
وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ
٨٠
-القصص

حاشية الصاوي

قوله: { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } أي بأن تصرف عمرك في مرضاة ربك، ولا تدع نفسك من غير خير، فتصير يوم القيامة مفلساً، لما في الحديث: "اغتنم خمساً من خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك وحياتك قبل مماتك" . وقيل المراد بالنصيب الكفن ومؤن التجهيز، قال الشاعر:

نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تدرج فيهما وحنوط

قوله: { وَأَحْسِن } (للناس بالصدقة) المناسب حمله على العموم، ويكون تفسيراً لقوله: { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } وقوله: { كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والمعنى وأحسن إحساناً كإحسان الله إليك، أو للتعليل.
قوله: { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } جواب لما قالوه من الجمل الخمس، كأنه ينكر محض الفضل، والمعنى إنما أوتيته حال كوني متصفاً بالعلم الذي عندي، فأعطاني الله تلك الأموال لكوني مستحقاً لها لفضلي وعلمي. قوله:(وكان أعلم بني إسرائيل بالتوراة) وقيل العلم الذي فضل به هو علم الكيمياء، فإن موسى علمه ثلثه، ويوشع ثلثه، وكالب ثلثه، فخدعهما قارون حتى أضاف ما عندهما إلى ما عنده، فكان يأخذ الرصاص فيجعله فضة، ومن النحاس فيجعله ذهباً، فكثر بذلك ماله وتكبر، وعلى هذا فقوله: { عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } المراد به علم الكيمياء، ويكون المعنى اكتسبته بعلمي الذي عندي، لا من فضل الله كما تقولون. قوله: { أَوَلَمْ يَعْلَمْ } الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير أيدعي ولم يعلم أن الله الخ، والاستفهام للتوبيخ، والمعنى أنه إذا أراد إهلاكه لم ينفعه ذلك.
قوله: { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي لا يسألهم الله عن ذنوبهم إذا أراد عقابهم. إن قلت: كيف الجمع بين هذا وبين قوله تعالى:
{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الحجر: 92-93]؟ أجيب: بأن السؤال قسمان: سؤال استعتاب، وسؤال توبيخ وتقريع، فالمنفي سؤال الاستعتاب الذي يعقبه العفو والغفران، كسؤال المسلم العاصي، والمثبت سؤال التوبيخ الذي لا يعقبه إلا النار، قوله: { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } عطف على قوله: { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } وما بينهما اعتراض، وكان خروجه يوم السبت، وقوله: (بأتباعه) قيل كانوا أربعة آلاف، وقيل تسعين ألفاً عليهم المعصفرات، وهو أول يوم ريء فيه المعصفرات، وكان عن يمينه ثلاثمائة غلام، وعن يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحلي الديباج، وكانت خيولهم وبغالهم متحلية بالديباج الأحمر، وكانت بغلته شهباء بياضها أكثر من سوادها، سرجها من ذهب، وكان على سرجها الأرجوان، بضم الهمزة والجيم وهو قطيفة حمراء.
قوله: { قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي وكانوا مؤمنين غير أنهم مجحوبون. قوله: (كلمة زجر) أي وهي منصوبة بمقدر، أي ألزمكم الله ويلكم، والأصل في الويل الدعاء بالهلاك، ثم استعمل في الزجر والردع. قوله: (مما أوتي قارون في الدنيا) أي لأن الثواب منافعه عظيمة. قوله: { وَلاَ يُلَقَّاهَآ } أي يوفق للعمل بها. قوله: (على الطاعة وعن المعصية) أي وعلى الرضا بأحكامه تعالى.