خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٨٤
إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٨٥
وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ
٨٦
-القصص

حاشية الصاوي

قوله: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } تقدم أنه إن أريد { بِٱلْحَسَنَةِ } لا إله إلا الله، فالمراد بالخير الجنة، و{ مَن } للتعليل، وليس في الصيغة تفضيل، وإن إريد بها مطلق طاعة، فالمراد بالخير منها عشر أمثالها، كما جاء مفسراً به في الآية الأخرى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160] فقول المفسر (ثواب بسببها) الخ، إشارة للمعنى الثاني. قوله: (وهو عشر أمثالها) هذا أقل المضاعفة، وتضاعف لسبعين ولسبعمائة، والله يضاعف لمن يشاء، وهذا في الحسنة التي فعلها بنفسه أو فعلت من أجله، كالقراءة والذكر، إذا فعل وأهدى ثوابه للميت مثلاً، وأما الحسنة التي تؤخذ في نظير الظلامة فلا تضاعف، بل تؤخذ الحسنة للمظلوم، وأما المضاعفة فتكتب للظالم، لأنها محض فضل من الله تعالى، ليس للعبد فيه فعل، والمضاعفة مخصوصة بهذه الأمة، وأما غيرهم فلا مضاعفة له.
قوله: { فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } الخ، أظهر في مقام الإضمار تسجيلاً وتقبيحاً على فاعل السيئات، لينزجر عن فعلها. قوله: (أي مثله) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: (أنزله) أي أو فرضه، بمعنى أوجب عليك تبليغه للعباد والتمسك به. قوله: (إلى مكة وكان قد اشتاقها) تقدم
"أن سبب نزول هذه الآية، أنه صلى الله عليه وسلم لما أذن له في الهجرة إلى المدينة، وخرج من الغار مع أبي بكر ليلاً، سار في غير الطريق، فلما نزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف طريق مكة، اشتاق إليها، وذكر مولده ومولد أبيه، فنزل عليه جبريل وقال له: أتشتاق إلى بلدك ومولدك، فقال عليه السلام: نعم، فقال جبريل: إن الله تعالى يقول: { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } يعني إلى مكة ظاهراً عليهم، وسميت البلد معاداً" ، لأن شأن الإنسان أن ينصرف من بلده ويعود إليها، وتقدم أن هذه الأية ينبغي قراءتها للمسافر، تفاؤلاً بعوده لوطنه، ولا يقال: إن الآية قيلت للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف تقال لغيره؟ لأنه لا يقال: إن القرآن نزل للتعبد والاقتداء به، فكأنه قال: كما صدقت وعد نبيك فاصدق وعدي. قوله: (جواباً لقول كفار مكة) الخ، أي كما قالت بنو إسرائيل لموسى مثل ذلك، فرد الله عليهم بقوله: { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } [القصص: 37]. قوله: (وأعلم بمعنى عالم) إنما احتج إلى تحويله لتعديته للمفعول بنفسه، وإلا فكان مقتضى الظاهر تعديته بمن. قوله: { وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ } أي قبل مجيء الرسالة إليك. قوله: { أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ } أي فإنزاله عليك ليس عن ميعاد، ولا بطلب منك، ومن هنا قال العلماء: إن النبوة ليست مكتسبة لأحد، قال في الجوهرة: { _@_ولم تَكُنْ نبوّة مكتسبة _@_ ولو رقى في الخير أعلى عقبه.الخ_@_ } قوله: (لكن ألقي إليك) أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع. قوله: { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } الخطاب له، والمراد غيره، لاستحالة ذلك عليه. قوله: (حذفت نون الرفع للجازم) أي وهو لا النافية. قوله: (لالتقائها مع النون الساكنة) أي ووجود دليل يدل عليها وهو الضمة، وما مشى عليه المفسر في تصريف الفعل، وإنما يأتي على ندور، وهو تأكيد الفعل الخالي عن الطلب، فالأولى أن يقول: وأصله يصدونك، دخل الجازم فحذف النون ثم أكد فالتقى ساكنان، حذفت الواو لالتقائهما، ووجود الضمة دليلاً عليها.