خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ
١١١
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
١١٢
لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
١١٣
-آل عمران

حاشية الصاوي

قوله: { إِلاَّ أَذًى } قيل استثناء منقطع وهو المتبادر من المفسر، والمعنى لا يصل لكم منهم ضرر بشيء أصلاً لكن يقع منهم أذى باللسان، قال تعالى: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } [آل عمران: 186] ففي الحقيقة لا ضرر في ذلك، وقيل الإستثناء متصل، والمعنى لن يصل لكم منهم ضرر في حال من الأحوال، إلا في حال الضرر اللساني. قوله: (من سب) أي للنبي وأصحابه، وقوله: (ووعيد) أي للمؤمنين بقولهم إنا نغلبهم، وستكون العزة لنا والذلة لهم.
قوله: { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } ليس معطوفاً على جواب الشرط، وإلا لأوهم أنهم قد ينصرون من غير قتال، بل هو مستأنف ليفيد سلب النصرة عنهم في جميع الأحوال. قوله: { أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ } أين اسم شرط وثقفوا فعل الشرط وجوابه محذوف لدلالة ضربت عليهم الذلة عليه، التقدير أينما ثقفوا تضرب عليهم الذلة. (فلا عز لهم) أي ولذا لم يوجد منهم سلطان أصلاً فالذال قد علاهم للمؤمنين والنصارى لقوله تعالى:
{ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [آل عمران: 55]. قوله: (ولا اعتصام) معطوف على قوله فلا عزم لهم، وقدر ذلك ليرتب قوله: { إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } عليه إشارة إلى أنه مستثنى من محذوف. قوله: { بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي وهو الإيمان. قوله: (أي لا عصمة لهم غير ذلك) أي لكن إن كان اعتصامهم بحبل من الله ارتفع عنهم الذل وعصموا نفوسهم وأموالهم، وإن كان من الناس فقد عصموا نفوسهم وأموالهم وعاشوا في الذل. قوله: (ذلك) أي المذكور من ضرب الذلة والمسكنة والغضب من الله. قوله: { وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ } أي فقتلوا أول النهار سبعين نبياً وآخره أربعمائة عابد. إن قلت: إن القاتل للأنبياء أجدادهم فلم أوخذوا بفعل أصولهم أجيب بأن رضا الفروع بقتل أصولهم الأنبياء صيره كأنه واقع منهم، فالقتل وقع من أصولهم بالفعل ومنهم بالعزم والتصميم فهم الآن لو تمكنوا من النبي والمسلمين ما أبقوا واحداً. قوله: { بِغَيْرِ حَقٍّ } أي حتى في اعتقادهم، فاعتقادهم عدم الحقيقة مطابق للواقع غير أنه عناد منهم. قوله: (تأكيد) أي فالعصيان والإعتداء هو عين الكفر وقتل الأنبياء، ويحتمل أنه ليس تأكيداً بل هو علة للعلة، أي فعلة ضرب الذلة والمسكنة والغضب من الله كفرهم وقتلهم الأنبياء، وعلة الكفر والقتل عصيانهم أمر الله وتجاوزهم الحد.
قوله: { لَيْسُواْ سَوَآءً } هذه الجملة راجعة لجميع أهل الكتاب أي هم غير مستوين في العقيدة، بل منهم من هو على حق ومنهم من هو على باطل. قوله: (مستوين) دفع بذلك ما يقال إن سواء خبر عن الواو في ليسوا فكان حقه أن يجمع مطابقة له، فأجاب بأن سواء مصدر من التسوية بمعنى مستوين. قوله: { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ } هذا كالتفصيل لقوله ليسوا سواء. قوله: (كعبد الله بن سلام وأصحابه) أي من اليهود، وكالنجاشي وأربعين من نصارى نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثلاثة من الروم، كجماعة من الأنصار كأسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن سلمة وصرمة ابن أنس، كانوا يتعبدون بما يعرفون من الشرائع القديمة، فما بعث النبي صدقوه ونصروه، قوله: { آنَآءَ ٱللَّيْلِ } إما جمع أنى كعصا أو أنى كظبي أو أنى كحمل أو أنو كجرو. قوله: (أي في ساعاته) أي اللغوية وهي دقائقه ولحظاته، قوله تعالى:
{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } [السجدة: 16] . قوله: (يصلون) سمى الصلاة سجوداً لأنه أشرف أجزائها، وقوله: (حال) أي من قوله: { يَتْلُونَ } أي يقرؤون القرآن في حال صلاتهم.