خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
١٢
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
١٣
-لقمان

حاشية الصاوي

قوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } اختلف في لقمان، فقيل اسم عجمي ممنوع الصرف للعلمية والعجمة، وقيل عربي ومنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، واختلف فيه أيضاً، فقيل هو لقمان بن فاغور بن ناخور بن تارخ وهو آزر، فعلى هذا هو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام، وقيل كان ابن أخت أيوب، وقيل كان ابن خالته، يقال إنه عاش ألف سنة حتى أدرك داود، واتفق العلماء على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً، إلا عكرمة والشعبي فقالا بنبوته، وقيل خيِّر بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة، وروي أنه كان نائماً في وسط النهار، فنودي يا لقمان، هل لك أن نجعلك خليفة في الأرض، فتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت فقال: إن خيرني رب قبلت العافية ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعاً وطاعة، فإني أعلم أن الله تعالى، إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني، فقالت الملائكة بصوت لابراهيم: لم يا لقمان؟ قال: إن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاء المظلوم من كل مكان، إن عدل نجا، وإن أخطأ الطريق أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلاً، خير من أن يكون شريفاً، ومن يختر الدنيا على الآخرة، تفتنه الدنيا ولم يصب الآخرة، فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومه فأعطي الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها، ثم نودي بها داود بعده فقبلها، وكان لقمان يؤازر داود لحكمته، وقيل كان خياطاً، وقيل كان راعي غنم، فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال: ألست فلاناً الراعي؟ قال: بلى، قال: فيم بلغت ما بلغت؟ قال: بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما يعنيني. قوله: (منها العمل والديانة) أي فالحكمة هي العلم والعمل، ولا يسمى الرجل حكيماً حتى يجمعها، وقيل الحكمة المعرفة والأمانة، وقيل هي نور في القلب، يدرك به الأشياء كما تدرك بالبصر. قوله: (وحكمة كثيرة) قال وهب: تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة، أدخلها الناس في كلامهم. قوله: (وقال في ذلك) أي في شأن الاعتذار عن ترك الفتيا. قوله: (وقلنا له أن) { ٱشْكُرْ } إلخ، أشار بذلك إلى أن أن زائدة، وجملة { أَنِ ٱشْكُرْ } مقول القول، والأنسب (أن) تفسيرية لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه. قوله: (وما أعطاك من الحكمة) أي فهي نعمة يجب الشكر عليها بصرفها في مصارفها. قوله: { وَمَن يَشْكُرْ } إلخ، تعليل للأمر بالشكر. قوله: (محمود في صنعه) أي فهو حقيق بأن يحمد من دون المخلوقات.
قوله: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ } أي واسمه ثاران وقيل مشكم وقيل أنعم، قيل كان ابنه وامرأته كافرين، فما زال يعظهما حتى أسلما، قيل وضع لقمان جراباً من خردل إلى جنبه، وجعل يعظ ابنه موعظة موعظة، ويخرج خردلة خردلة، فنفد الخردل فقال: يا بني وعظتك موعظة ولو وعظتها جبلاً لتفطر، فتفطر ابنه ومات. قوله: { وَهُوَ يَعِظُهُ } الجملة حالية. قوله: { يٰبُنَيَّ } بكسر الياء وفتحها قراءتان سبعيتان. قوله: (اشفاق) أي محبة. قوله: (فرجع إليه) أي إلى دين أبيه وهو الإسلام، وقال أيضاً: يا بني اتخذ تقوى الله تعالى تجارة، يأتك الربح من غير بضاعة، يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس، فإن الجنائز تذكرة الآخرة، والعرس يشهيك الدنيا. يا بني لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار، وأنت نائم على فراشك. يا بني لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة. يا بني لا ترغب في ود الجاهل، فيرى أنك ترضى عمله. يا بني اتق الله ولا تر الناس أنك تخشى، ليكرموك بذلك وقلبك فاجر، يا بني ما ندمت على الصمت قط، فإن الكلام إذا كان من فضة، كان السكوت من ذهب. يا بني اعتزل الشر كما يعتزلك، فإن الشر للشر خلق. يا بني عليك بمجالس العلماء، واستمع كلام الحكماء، فإن الله تعالى يحيي القلب الميت بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر، فإن من كذب ذهاب ذهب ماء وجه، ومن ساء خلقه كثر غمه، ونقل الصخور من موضعها أيسر من إفهام من لا يفهم، يا بني لا ترسل رسولك جاهلاً، فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك. يا بني لا تنكح أمة غيرك، فتورث بنيك حزناً طويلاً. يا بني يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حليم. يا بني اختر المجالس على عينك، فإذا رأيت المجلس يذكر فيه الله عز وجل فاجلس معهم، فإنك إن تك عالماً ينفعك علمك، وإن تك غبياً يعلموك، وإن يطلع الله عز وجل عليهم برحمة تصبك معهم. يا بني لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله عز وجل، فإنك إن تك عالماً لا ينفعك علمك، وإن تك غبياً يزيدوك غباوة، وإن يطلع الله عليهم بعد ذلك بسخط يصبك معهم. يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء، وشاور في أمرك العلماء. يا بني إن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيه ناس كثير، فاجعل سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان بها، وشراعها التوكل على الله، لعلك تنجو. يا بني إني حملت الجندل والحديد، فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء، وذقت المرارة كلها، فلم أذق أشد من الفقر، يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره. يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة، فدار أنت إليها تسير، أقرب من دار أنت عنها ترحل. يا بني عود لسانك أن يقول: اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا ترد. يا بني إياك والدين، فإن ذل النهار وهم الليل. يا بني أرج الله رجاء لا يجرئك على معصيته، وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته. إلى غير ذلك من المواعظ المأثورة عنه عليه السلام.