خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١١٤
وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
١١٥
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً
١١٦
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَٰناً مَّرِيداً
١١٧
-النساء

حاشية الصاوي

قوله: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ } لا نافية للجنس وخير اسمها، وفي كثير متعلق بمحذوف خبرها، وقوله: { مِّن نَّجْوَاهُمْ } بمحذوف حال من متعلق الخبر. قوله: (أي الناس) أشار بذلك إلى أن الآية عامة وليست مخصوصة بقوم طعمة المتقدم. قوله: (أي ما يتناجون فيه ويتحدثون) أشار بذلك إلى أن معنى النجوى المحادثة من بعض القوم لبعض اثنان ففوق، قال تعالى: { { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7] الآية، والنجوى ضد السر، وهو محادثة الإنسان نفسه، وعطف قوله: (يتحدثون) على (يتناجون) للتفسير.
قوله: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ } يحتمل أنه استثناء منقطع إن أبقينا الكلام على ظاهره، لأن المستثنى الشخص، والمستثنى منه الكلام، ولا شك أنه غيره، ويحتمل أنه متصل وهو على حذف مضاف، وإليه يشير المفسر بقوله: { إِلاَّ } (نجوى) الخ. قوله: { بِصَدَقَةٍ } أي واجبة أو مندوبة. قوله: { أَوْ مَعْرُوفٍ } المراد به كل طاعة لله، فيدخل فيه جميع أعمال البر، فهو من عطف العام على الخاص، وقوله: { أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } معطوف على قوله: { أَوْ مَعْرُوفٍ } من عطف الخاص على العام اعتناءاً بشأنه واهتماماً به، وإنما خصت الثلاثة لأن الأمر المرضي لله، أما إيصال نفع وهو إما جسماني أو روحاني، فالأول كالصدقات، والثاني كالأمر بالمعروف، أو دفع ضرر كالإصلاح بين الناس، لأن المفاسد مترتبة على التشاحن، وبالإصلاح يحصل الخير والبركة ودفع الشرور، ولذا حثّ عليه صلى الله عليه وسلم بقوله:
"امشِ ميلاً عد مريضاً، امش ميلين أصلح بين اثنين" وبالجملة فكثرة الكلام لا خير فيها، قال بعضهم: من كثر لغطه كثر سقطه، وفي الحديث: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" . قوله: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } اسم الإشارة عائد على الثلاثة، وإنما أفرد لأن العطف بأو إن قلت مقتضى السياق ومن يأمر بذلك، أجيب بأن هذا راجع للمأمور به، فاسم الإشارة عائد على المأمور به وتقديره ومن يفعل المأمور به من صدقة أو معروف أو إصلاح، فاستفيد من الآية أولاً وآخراً ثواب الأمر والفاعل، وفي الحديث: "الدال على الخير كفاعله" . وأجيب أيضاً بأنه عبر عن الأمر بالفعل لأنه فعل لساني والأقرب الأول. قوله: (لا غيره من أمور الدنيا) أي لأن ثواب الأعمال الصالحة منوط بالإخلاص كان من الآمر والفاعل، فلو كان الفعل أو الأمر رياء وسمعة أو لغرض دنيوي لم يستحق به عند الله أجراً. قوله: (بالنون والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان، وفي قراءة النون التفات من الغيبة للتكلم، لأن الاسم الظاهر من قبيل الغيبة. قوله: { أَجْراً عَظِيماً } أي وهو الجنة وما فيها، قال تعالى: و { { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس: 26] وفي التعبير بسوف إشارة إلى أن جزاء الأعمال الصالحة في الآخرة لا الدنيا، لأنها ليست دار جزاء، بل عطاء الدنيا لكل من وجد فيها أطاع أو عصى كلف أو لا.
قوله: { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } الخ، لما ذكر سبحانه وتعالى المطيعين وما أعد لهم في الآخرة، ذكر وعيد الكفار وعاقبه أمرهم على عادته سبحانه في كتابه. قوله: (فيما جاء من الحق) أي من الأمور التكليفية والأحكام الشرعية. قوله: { وَيَتَّبِعْ } عطف لازم على ملزوم. قوله: (بأن نخلي بينه) أي المشاقق، وقوله: (وبينه) أي الضلال، والمعنى أن من خالف ما أمر الله به، فإن الله يستدرجه بالنعم ويمهله ولا يعجل عقوبته، قال تعالى:
{ { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } [مريم: 75] الآية.
قوله: { وَسَآءَتْ مَصِيراً } ساء كبش للذم فاعلها مستتر وجوباً يعود على جهنم ومصيراً تمييز، والمخصوص بالذم محذوف قدره المفسر بقوله هي. قوله: { أَن يُشْرَكَ بِهِ } أي إذا مات على ذلك لقوله تعالى:
{ { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38]. قوله: { لِمَن يَشَآءُ } أي إن مات من غير توبة. قوله: { فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } أي فالشرك أعظم أنواع الضلال، إن قلت: إن ما تقدم في شأن أهل الكتاب وهم عندهم علم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق، وإنما كفرهم عناد، فسماه الله افتراء أي كذباً، وما هنا في شأن مشركي العرب وهم ليس لهم علم بذلك إن هم كالأنعام بل هم أضل، فلذا سماه الله ضلالاً بعيداً.
وقوله: { إِن يَدْعُونَ } هذا كالدليل، والتعليل لقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } قوله: (ما) { يَدْعُونَ } أشار بذلك إلى أن إن نافية بمعنى ما. قوله: (يعبد المشركون) أطلق الدعاء على العبادة لأنه منها، وكثيراً ما يطلق الدعاء عليها. قوله: (أصناماً مؤنثة) أي لتأنيث أسمائها، ورد أنه ما من مشرط إلا وكان له صنم قد سماه باسم أنثى من العرب، وحلاه بأنواع الحلى، وكانوا يقولون هم بنات الله. قوله: (كاللات والعزى ومناة) اللات مأخوذة من إله والعزى من العزيز، ومناة من المنان، فاقتطعوها وسموها بها أصنامهم. قوله: (بعبادتها) الباء سببية أي فالمسؤول لهم على عبادتها الشيطان، فعبادتها لازمة لعبادة الشيطان لأنه يحضر عندهم، فهم في الصورة يعبدون الأصنام، وفي الحقيقة العبادة للشيطان. قوله: { مَّرِيداً } أي متمرداً بمعنى بلغ الغاية في العتو والفجور لخروجه عن طاعة ربه، حتى أمر الناس بعبادة غير الله.