خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٦٥
-النساء

حاشية الصاوي

قوله: { لِئَلاَّ يَكُونَ } هذه اللام لام كي متعلقة متعلقة بمنذرين وأضمر في الأول وحذف، وهذا هو الأولى، ويحتمل أنه متعلق بمحذوف تقديره (أرسلناهم) وعلى ذلك درج المفسر، إلا أن يقال إنه حل معنى لا حل إعراب. قوله: { حُجَّةٌ } أي معذرة يعتذرون بها، وسماها الله حجة تفضلاً منه وكرماً، فأهل الفترة ناجون ولو بدلوا وغيروا، قال تعالى: { { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15] وقال تعالى: { { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } [طه: 134] الآية، وما ورد من تعذيب بعض أفراد من أهل الفترة، فأحاديث آحاد لا تقاوم القطعيات، كما أفاده أشياخنا المحققون.
قوله: { بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } أي وإنزال الكتب، والمعنى لو لم يرسل الله رسولاً لكان للناس عذر في ترك التوحيد فقطع الله عذرهم بإرسال الرسل، والظرف متعلق بالنفي، أي انتفت حجتهم واعتذارهم بعد إرسال الرسل، وأما قبل الإرسال فكانوا يعتذرون، فإن قلت: كيف يكون للناس حجة قبل الرسل، مع قيام الأدلة التي تدل على معرفة الله ووحدانيته كما قيل:

وَفِي كُلِّ شَيْءِ لَهُ آية تَدُلُّ عَلَى أنَّهُ الْواحِد

أجيب: بأن الله لا يكلفنا بذلك بمجرد العقل، بل لا بد من ضميمة الرسل التي تنبه على الأدلة، وشاهده هذه الآية، وقوله تعالى: { { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء: 15] فلذلك قال أهل السنة: إن معرفة الله لا تثبت إلا بالشرع، خلافاً للمعتزلة. قوله: (لولا أرسلت) لولا للتحضيض وهو الطلب بحث وإزعاج، ولكن المراد بها هنا العرض وهو الطلب بلين ورفق. قوله: { عَزِيزاً } أي غالباً قاهراً لغيره منفرداً بالإيجاد والإعدام، وقوله: { حَكِيماً } أي يضع الشيء في محله. قوله: (ونزل لما سئل اليهود) أي حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود: "أنتم تشهدون بأني مذكور في كتبكم" ، فقالوا: لا نشهد بذلك، وما نعلم من بشر أوحي إليه بعد موسى، وقيل إن السائل مشركو العرب حيث قالوا للنبي: إنّا نسأل اليهود عنك وعن صفتك في كتابهم، فزعموا أنهم لا يعرفونك فنزلت، والمعنى أن أنكروك وكفروا ما أنزل إليك، فقد كذبوا فيما قالوا، لأن الله يشهد لك بالنبوة والرسالة، ويشهد بما أنزل إليك.