خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٧٦
-النساء

حاشية الصاوي

قوله: { يَسْتَفْتُونَكَ } ختم هذه السورة بهذه الآية لاشتمالها على الميراث، كما ابتدأها بذلك للمشاكلة بين المبدأ والختام، وجملة ما ذكر في هذه السورة من المواريث ثلاثة مواضع، الأول: في ميراث الأصول والفروع وهو قوله: { { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } [النساء: 11] إلى آخر الربع. الثاني: ميراث الزوجين والإخوة والأخوات للأم وهو قوله: { { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ } [النساء: 12] إلى قوله: { { غَيْرَ مُضَآرٍّ } [النساء: 12]. الثالث: ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب وهو هذه الآية، وأما أولو الأرحام فسيأتي ذكرهم في آخر الأنفال. وسبب نزول هذه الآية أن جابر بن عبد الله تمرض، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ليعوداه ماشيين، فلما دخلا عليه وجداه مغمى عليه، فتوضأ رسول الله ثم صب عليه من وضوئه فأفاق، فقال: يا رسول الله كيف أصنع في مالي: فلم يرد عليه حتى نزلت الآية، وكان له تسع أخوات وقيل سبع. قوله: { فِي ٱلْكَلاَلَةِ } تنازعه كل من يستفتونك ويفتيكم فأعمل الثاني وأضمر في الأول وحذف، وهكذا كل ما جاء في القرآن من التنازع كقوله تعالى: { { آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } [الكهف: 96] { { هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } [الحاقة: 19] وبهذا أخذ البصريون، وتقدم أن الكلالة هي أن يموت الميت وليس له فرع ولا أصل، وهو أصح الأقوال فيها.
قوله: { إِن ٱمْرُؤٌ } هذه الجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر تقديره وما تفسير الكلالة وما الحكم فيها، فالوقف على الكلالة. قوله: (مرفوع بفعل يفسره) { هَلَكَ } أي فهو من باب الاشتغال، وإنما لم يجعل امرؤ مبتدأ أو جملة هلك خبره، لأن إن الشرطية لا يليها إلا الفعل ولو تقديراً. قوله { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } الجملة في محل رفع صفة لامرؤ، ولا يصح أن تكون حالاً منه لأنه نكرة، ولم يوجد له مسوغ لأن هلك ليس صفة له، وإنما هو مفسر للفعل المحذوف فتأمل. قوله: (أي ولا والد) أخذ هذا من توريث الأخت لأنها لا ترث مع وجوده. قوله: (من أبوين) أي وهي الشقيقة. قوله: { وَهُوَ } الضمير عائد على لفظ امرؤ لا على معناه، على حد: عندي درهم ونصفه، والمعنى أن ذلك على سبيل الفرض والتقدير، أي أن فرض موته دونها فلها النصف، وإن فرض موتها دونه فله المال كله، إن لم يكن لها فرع وارث. قوله: (أو أنثى) أي واحدة أو متعددة، وقوله: (فله ما فضل عن نصيبها) أي وهو النصف في الأولى والثلث في الثانية. قوله: (كما تقدم أول السورة) أي في قوله:
{ { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً } [النساء: 12] الآية. قوله: (وقد مات عن أخوات) جملة مستأنفة مقيدة لما قبلها لا أنها حالية، لأن جابراً عاش بعده صلى الله عليه وسلم، بل قيل إنه آخر الصحابة مؤتاً بالمدينة، وقوله: (عن أخوات) قيل تسع وقيل سبع.
قوله: { وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً } أي وأخوات ففيه تغليب الذكور على الإناث. قوله: (شرائع دينكم) قدره إشارة إلى أن مفعول { يُبَيِّنُ } محذوف. قوله: { أَن } (لا) { تَضِلُّواْ } إشارة بذلك إلى أنه مفعول لأجله ولا مقدرة، والمعنى يبين لكم الشرائع لأجل عدم ضلالكم، نظير قوله تعالى:
{ { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [فاطر: 41] أي لئلا تزولا، ويصح أن يكون المحذوف مضافاً، والتقدير كراهة أن تضلوا. قوله: { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } كالعلة لما قبله، وقد ختم هذه السورة ببيان كمال العلم وسعته، كما ابتدأها بسعة قدرته وكمال تنزهه، وذلك يدل على اختصاصه بالربوبية والألوهية. قوله: (أي من الفرائض) دفع بذلك ما يقال إن آخر آية نزلت على الإطلاق (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) فإنها نزلت قبل موت رسول الله بأحد وعشرون يوماً، ونزل قبلها آية الربا، وقبلها { { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] وقبلها آية الكلالة فهي من الأواخر، إذا علمت ذلك فقول المفسر: (أي من الفرائض) غير متعين، بل يصح أن يكون آخراً نسبياً.