خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
١١٤
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١١٥
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
١١٦
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
١١٧
فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ
١١٨
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ } الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أميل لزخارفكم التي زينها الشيطان. فغير الله أبتغي حكماً، وغير مفعول لأبتغي، وحكماً حال أو تمييز، أو حكماً مفعول وغير حال، والحكم أبلغ من الحاكم لأن الحكم من تكرر منه الحكم، وأما الحاكم فيصدق ولو بمرة، أو لأن الحكم لا يجوز أصلاً، والحاكم قد يجور. قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ } الجملة حالية كأنه قال: أفغير الله أطلب حكماً، والحال أن الله هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً، فالذي يشهد لي هو القرآن، وأما الكتب القديمة فإنها وإن كانت تشهد له أيضاً، لكن لما غيروا وبدلوا، صارت غير معول عليها. قوله: (وأصحابه) أي ممن أسلم من علماء اليهود.
قوله: { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ } أي الكتاب. قوله: (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان، قوله: { بِٱلْحَقِّ } متعلق بمحذوف حال، والتقدير أنه منزل من ربك حال كونه متلبساً بالحق. قوله: (والمراد بذلك التقرير الخ) دفع بذلك ما يقال إن الشك مستحيل على النبي، فكيف ينهى عما يستحيل وصفه به، فأجاب بما ذكر، وأجيب أيضاً بأنه من باب التعريض للكفار بأنهم هم الممترون، فالخطاب له والمراد غيره.
قوله: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي القرآن وفيها قراءتان: الجمع والإفراد، فالجمع ظاهر، والإفراد على إرادة الجنس والماهية، وترسم بالتاء المجرورة على كل من القراءتين، وهكذا ما قرئ بالجمع والإفراد إلا موضعين: أحدهما في يونس في قوله تعالى:
{ { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } [يونس: 96] وثانيهما في غافر في قوله تعالى: { { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } [غافر: 6] فاختلف فيها المصاحف، فبعضهم بالتاء المجرورة، وبعضهم بالتاء المربوطة. قوله: (بالأحكام والمواعيد) راجع لقوله: { صِدْقاً وَعَدْلاً } على سبيل اللف والنشر المشوش، ولو أخره لكان أحسن، والمعنى: تمت كلمات ربك من جهة الصدق، كالأخبار والمواعيد، والعدل كالأحكام فلا جور فيها، وهذا إخبار من الله بحفظ القرآن من التغيير والتبديل، كما وقع في الكتب المتقدمة، وذلك سر قوله تعالى: { { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] وقوله تعالى: { { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } [الإسراء: 106]. قوله: (تمييز) أي على التوزيع، أي صدقاً في مواعيده وعدلاً في أحكامه، ويصح أن يكون حالاً من ربك، ويؤول المصدر باسم الفاعل، أي حال كونه صادقاً وعادلاً.
قوله: { لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ } هذا كالتوكيد لقوله: { تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ }، وقوله: (بنقض أو خلف) راجع لقوله: { صِدْقاً وَعَدْلاً } على سبيل اللف والنشر المرتب. قوله: (أي الكفار) تفسير للأكثر. قوله: { إِن يَتَّبِعُونَ } قدر المفسر ما إشارة إلى أن إن نافية بمعنى ما. قوله: (إذ قالوا الخ) إشارة لسبب نزول هذه الآية وما بعدها، وذلك أن المشركين قالوا للنبي: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال: الله قتلها. قالوا: أنت تزعم ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتلها الكلب والصقر حلال، وما قتله الله حرام، فكيف تدعون أنكم تعبدون الله ولا تأكلون ما قتله ربكم؟ فما قتله الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم. قوله: { إِلاَّ يَخْرُصُونَ } الخرص في الأصل الحزر والتخمين، ومنه خرص النخلة، وقوله: (يكذبون) سمى الخرص كذباً لأن فيه تتبع الظنون الكاذبة. قوله: (في ذلك) أي في قولهم ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم. قوله: (أي عالم) دفع بذلك ما يقال إن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه، فأجاب: بأن اسم التفضيل مؤول اسم الفاعل. وأجيب أيضاً: بأن قوله: { مَن يَضِلُّ } مفعول لمحذوف تقديره بعلم من يضل، أو منصوب بنزع الخافض، والتقدير بمن يضل يدل عليه قوله بعد { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }.
قوله: { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } هذا رد لقولهم المتقدم، فإن الميتة لم يذكر عليها اسم الله، فعند مالك الوجوب مع الذكر، وعند الشافعي السنية، والمراد بذكر اسم الله هنا، عدم ذكر اسم غيره كالأصنام، ليدخل ما إذا نسي التسمية فإنها تؤكل، وسيأتي إيضاح ذلك.