خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ
١٥٨
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { هَلْ يَنظُرُونَ } استفهام إنكاري بمعنى النفي، وهو مزيد تخويف وتحذير لمن بقي على الكفر. إن قلت: إن ظاهر الآية يقتضي أنهم مصدقون بهذه الأشياء حتى أثبت لهم انتظار أحدها، أجيب بأن هذه الأشياء لما كانت محتمة، عوملوا معاملة المنتظر، ولم يعول على اعتقادهم، فالمعنى لا مفر لهم من ذلك. قوله: (ما ينتظر المكذبون) أي من أهل مكة وغيرهم. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان، لأن جمع التكسير يجوز تأنيثه وتذكيره، تقول: قام الرجال، وقامت الرجال. قوله: { ٱلْمَلاۤئِكَةُ } أي عزرائيل وأعوانه، أو ملائكة العذاب، لما تقدم أن الكافر موكل بأخذ روحه سبع من ملائكة العذاب. قوله: (أي أمره) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، ودفع بذلك توهم حقيقة الإتيان، وهو الانتقال من مكان إلى آخر، إذ هو مستحيل على الله تعالى. قوله: (بمعنى عذابه) أي المعجل لهم، إما السيف أو غيره. قوله: (الدالة على الساعة) أي على قربها، والعلامات الكبرى عشرة وهي: الدجال، والدابة، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر.
قوله: { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } يوم معمول لينفع على الصحيح من أن ما بعد لا يعمل فيما قبلها. قوله: (وهو طلوع الشمس من مغربها)
"ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً: أتدرون أين تذهب هذه الشمس إذا غربت؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها تذهب إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي فارجعي من حيث جئت، فتصبح طالعة من مطلعها، وهكذا كل يوم، فإذا أراد الله أن يطلعها من مغربها حبسها، فتقول يا رب إن مسيري بعيد، فيقول لها اطلعي من حيث غربت، فقال الناس: يا رسول الله، هل لذلك من آية؟ فقال: آية تلك الليلة أن تطول قدر ثلاث ليال، فيستيقظ الذين يخشون ربهم، فيصلون ثم يقضون صلاتهم، والليل مكانه لم ينقض، ثم يأتون مضاجعهم فينامون، حتى إذا استيقظوا والليل مكانه لم ينقض، ثم يأتون مضاجعهم فينامون، حتى إذا استيقظوا والليل مكانه خافوا أن يكون ذلك بين يدي أمر عظيم، فإذا أصبحوا أطال عليهم طلوع الشمس، فبينما هم ينتظرونها، إذا طلعت عليهم من قبل المغرب" . قوله: (كما في حديث الصحيحين) أي وهو كما في البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها" وروي أن أول الآيات ظهور الدجال، ثم نزول عيسى، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، وهو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وذلك أن الكفار يسلمون في زمن عيسى، فإذا قبض ومن معه من المسلمين، رجع أكثرهم إلى الكفر، فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها.
قوله: { لاَ يَنفَعُ نَفْساً } أي كافرة أو مؤمنة عاصية، ويكون قوله: { لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ } راجعاً للأولى، وقوله: { أَوْ كَسَبَتْ } راجعاً للثانية، ويكون التقدير لا ينفع نفساً كافرة لم تكن آمنت من قبل إيمانها الآن، ولا ينفع نفساً مؤمنة توبتها من المعاصي، فقوله: { أَوْ كَسَبَتْ } معطوف على: { ءَامَنَتْ }، وحينئذ فيكون في الكلام حذف قد علمته. قوله: (الجملة صفة نفس) أي جملة لم تكن آمنت من قبل، وجاز الفصل بين الصفة والموصوف لأنه بالفاعل وهو ليس بأجنبي. قوله: { أَوْ } (نفساً لم تكن) { كَسَبَتْ } أشار بذلك إلى أن المعطوف في الحقيقة محذوف محذوف هو معطوف على المنفي. قوله: (كما يحدث) روي عن صفوان بن عسال المرادي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"باب من قبل المغرب، مسيرة عرضه أربعون أو سبعون سنة، خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوحاً للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس منه" . وورد أن من الاشراط العظام، طلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض، وهذان أيهما سبق الآخر، فالآخر على أثره". وورد "صبيحة تطلع الشمس من مغربها، يصير في هذه الأمة قردة وخنازير، وتطوى الدواوين، وتجف الأقلام، لا يزاد في حسنة، ولا ينقص من سيئة، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً". وورد "لا تزال الشمس تجري من مطلعها إلى مغربها، حتى يأتي الوقت الذي جعله الله غاية لتوبة عباده، فتستأذن الشمس من أين تطلع، ويستأذن القمر من أين يطلع، فلا يؤذن لهما، فيحبسان مقدار ثلاث ليال للشمس، وليلتين للقمر، فلا يعرف مقدار حبسهما إلا قليل من الناس، وهم أهل الأوراد وحملة القرآن، فينادي بعضهم بعضاً، فيجتمعون في مساجدهم بالتضرع والبكاء والصراخ بقية تلك الليلة، ثم يرسل الله جبريل إلى الشمس والقمر، فيقول إن الرب تعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه لا ضوء لكما عندنا ولا نور، فتبكي الشمس والقمر من خوف يوم القيامة وخوف الموت، فترجع الشمس والقمر فيطلعان من مغربهما، فبينما الناس كذلك يتضرعون إلى الله، والغافلون في غفلاتهم، إذ نادى مناد: إلا إن باب التوبة قد أغلق، والشمس والقمر قد طلعا من مغاربهما فينظر الناس وإذا بهما أسودين كالعكمين، أي الغرارتين العظيمتين، لا ضوء لهما ولا نور، فذلك قوله: { { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [القيامة: 9] فيرتفعان مثل البعيرين المقرنين، ينازع كل منهما صاحبه استباقاً، ويتصايح أهل الدنيا، وتذهل الأمهات عن أولادها، وتضع كل ذات حمل حملها، فأما الصالحون والأبرار، فإنهم ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب لهم عبادة، وأما الفاسقون والفجار، فلا ينفعهم بكاؤهم فردهما إلى المغرب، فيغربهما في باب التوبة، ثم يرد المصراعين فليتئم ما بينهما وتصيران كأنهما لم يكن فيهما صدع ولا خلل، فإذا أغلق باب التوبة، لم يقبل لعبد بعد ذلك توبة، ولا تنفعه حسنة يعملها بعد ذلك إلا ما كان قبل ذلك، فإنه يجري لهم". ورد: "أن الدنيا تمكث بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة، يتمتع المؤمنون فيها أربعين سنة، لا يتمنون شيئاً إلا أعطوه، ثم يعود فيهم الموت ويسرع، فلا يبقى مؤمن، ويبقى الكفار يتهارجون في الطرق كالبهائم، حتى ينكح الرجل المرأة في وسط الطريق، يقوم واحد عنها وينزل واحد، وأفضلهم من يقول لو تنحيتم عن الطريق لكان أحسن، فيكونون على مثل ذلك، حتى لا يولد لأحد من نكاح، ثم يعقم الله النساء ثلاثين سنة، ويكون كلهم أولاد زنا، شرار الناس عليهم تقوم الساعة. قوله: { قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ } أمر تهديد على حد اعملوا ما شئتم.