خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٠٧
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ
١٠٨
-التوبة

حاشية الصاوي

قوله: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } بالواو ودونها، قراءتان سبعيتان، والأحسن إعراب الاسم الموصول مبتدأ، وعلى كل خبره محذوف قدره المفسر بقوله: (منهم) والواو إما للعطف على الجمل المتقدمة، كقوله: { { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } [التوبة: 58] { { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } [التوبة: 61] { { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } [التوبة: 75] عطف قصة على قصة أو للاستئناف.
قوله: { ضِرَاراً } إما مفعول لأجله، أو مفعول ثان لاتخذوا. قوله: (لأهل مسجد قباء) أشار بذلك إلى أن متعلق الضرار محذوف. قوله: (بأمر أبي عامر الراهب) أي وهو ولد حنظلة غسيل الملائكة. قوله: (معقلاً له) أي ملجأ. قوله: (وكان ذهب) إلخ، حاصل ذلك: أن أبا عامر قد ترهب في الجاهلية، وليس المسوح وتنصر، فلما
"قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال أبو عامر: ما هذا الذين الذي جئت به؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: جئت بالحنيفية دين إبراهيم، قال أبو عامر: فأنا عليها، قال له النبي: إنك لست عليها، قال أبو عامر: بلى، ولكنك أدخلت في الحنيفية ما ليس منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعلت، ولكن جئت بها بيضاء نقية، قال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريداً غريباً وحيداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين، وسماه أبا عامر الفاسق، فلما كان يوم أحد، قال أبو عامر الفاسق للنبي: لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم، فلم يزل كذلك إلى يوم حنين، فلما انهزمت هوازن يئس أبو عامر، فخرج هارباً إلى الشام، فأرسل إلى المنافقين، أن أعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح، وابنوا لي مسجداً، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه، فبنوا مسجد الضرار إلى جنب مسجد قباء، فلما فرغوا من بنائه، أتوا رسول الله وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا وتصلي لنا في وتدعو بالبركة، فقال رسول الله: إني على جناح سفر، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا فيه، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك راجعاً، نزل بذي أوان، وهو موضع قريب من المدينة، فأتاه المنافقون وسألوه أن يأتي مسجدهم، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم، فنزلت هذه الآية، وأخبره جبريل خبر مسجد الضرار وما هموا به، فدعا رسول الله مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي، وعامر بن السكن، ووحشياً، فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدموه واحرقوه، فخرجوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك: أنظروني حتى أخرج إليكم بنار، فدخل هلى أهله، فأخذ من سعف النخل فأوقده ثم خرجوا يشتدون، حتى دخلوا المسجد وفيه أهله، فأحرقوه وهدموه وتفرق أهله، وأمر رسول الله أن يتخذ ذلك الموضع كناسة تلقى فيه الجيف والقمامة، ومات أبو عامر بالشام طريداً وحيداً غريباً" .
قوله: { إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله: (الفعلة). قوله: { يَشْهَدُ } أي يعلم. قوله: (في ذلك) أي الحلف. قوله: (وكانوا سألوا النبي) إلخ، أي بعد فراغهم من بنائه، وكان متجهزاً لغزوة تبوك، فوعدهم بذلك حين يقدم. قوله: { لَّمَسْجِدٌ } اللام للابتداء، ومسجد مبتدأ و{ أُسِّسَ } نعته وَ{ أَحَقُّ } خبره. قوله: (يوم حللت بدار الهجرة) أي وهو يوم الاثنين، فأقام فيه الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وخرج صبيحة الجمعة، فدخل المدينة وقيل صلى به الجمعة، وهي أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا على القول بأنه قام بقباء أربعة أيام، وقيل أقام أربعة عشر، وقيل اثنين وعشرين يوماً. قوله: { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } اسم التفضيل ليس على بابه، أو باعتبار زعم المنافقين، أو باعتبار ذات المسجد، فإن الخبث في نيتهم لا في ذات المسجد.
قوله: { فِيهِ رِجَالٌ } هم بنو عامر بن عوف. قوله: { يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } يحتمل أن المراد الطهارة: المعنوية من الذنوب والقبائح، وذلك موجب للثناء والمدح والقرب من الله، وقيل المراد الطهارة الحسية من النجاسات والأحداث وهو الأقرب، لأن مزيتهم التي مدحوا عليها مبالغتهم في طهارة الظاهر وأما طهارة الباطن، فأمر مشترك بين المؤمنين، وقيل المراد ما هو أعم، فقد حازوا طهارة الظاهر والباطن. قوله: (وفيه إدغام التاء) إلخ، أي فأصله المتطهرين، أبدلت التاء طاء، وأدغمت الطاء. قوله: (في الطهور) بضم الطاء في هذا وفيما يأتي، لأن المراد به الفعل. قوله: (فغسلنا كما غسلوا) أي بعد المسح بالأحجار، بديل الرواية الثانية. قوله: (نتبع الحجارة بالماء) أي وهذا هو الأكمل في الاستنجاء، فإن لم يوجد حجر، فالمدر يقوم مقامه، وإلا فالماء فقط، أو الحجر فقط، أو المدر فقط، قوله: (فعليكموه) أي الزموه.