خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٧٥
فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ
٧٦
-التوبة

حاشية الصاوي

قوله: { وَمِنْهُمْ } أي المنافقين، وظاهر الآية أنه حين المعاهدة كان منافقاً، وليس كذلك، بل كان مسلماً صحيحاً، وكان يلزم المسجد والجماعة، حتى لقب بحمامة المسجد فجعله منها باعتبار ما آل إليه أمره، ففيه مجاز الأول. قوله: { لَئِنْ آتَانَا } تفسير لقوله: عاهدوا، واللام موطئة لقسم محذوف، وإن شرطية، و{ آتَانَا } فعل الشرط، وجملة { لَنَصَّدَّقَنَّ } جواب القسم، وحذف جواب الشرط، لدلالته عليه ولتأخره، على حد قول ابن مالك:

واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم

قوله: (فيه إدغام التاء) إلخ، أي والأصل لنتصدقن، قلبت التاء صاداً، ثم أدغمت في الصاد. قوله: { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي في صرف المال، بأن نصل به الأرحام، وننفقه في وجوه البر والخير. قوله: (وهو ثعلبة بن حاطب) كان أولاً صحابياً جليلاً ملازماً للجمعة والجماعة والمسجد، ثم رآه النبي يسرع بالخروج إثر الصلاة، فقال له رسول الله: لم تفعل فعل المنافقين؟ فقال: إني افتقرت، ولي ولأمرأتي ثوب، أجيء به للصلاة، ثم أذهب فأنزعه لتلبسه وتصلي به، فادع الله أن يوسع في رزقي. وحاصل قصته "أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ادع الله يرزقني مالاً، فقال رسول الله: ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه. ثم أتاه بعد ذلك فقال له مثل ذلك فقال له رسول الله: أما لك فيَّ أسوة حسنة، والذي نفسي بيده، لو أردت أن تسير الجبال معي ذهباً وفضة لسارت، ثم أتاه بعد ذلك فقال له: والذي بعثك بالحق، لئن رزقني الله مالاً، لأعطين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله: اللهم ارزق ثعلبة مالاً، فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل وادياً من أوديتها، وهي تنمو كما ينمو الدود، فكان يصلي مع رسول الله الظهر والعصر، ويصلي في غنمه سائر الصلوات، ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة، فصار لا يشهد إلا الجمعة، ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد جمعة ولا جماعة، فكان إذا كان يوم الجمعة يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار، فذكره رسول الله ذات يوم فقال: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا له: يا رسول الله، اتخذ ثعلبة غنماً ما يسعها واد، فقال رسول الله: يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة" فلما نزلت آية الصدقة، "بعث رسول الله رجلاً من بني سليم، ورجلاً من بني جهينة، وكتب لهما أسنان الصدقة وكيف يأخذانها وقال لهما: مرا على ثعلبة بن حاطب، وعلى رجل من بني سليم، فخذا صدقاتهما، فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وقرآ عليه كتاب رسول الله، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ، فانطلقا، وسمع بهما السليمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة، ثم استقبلهما يها، فلما رأياه قالا: ما هذا عليك؟ قال: خذاه، فإن نفسي بذلك طيبة، فمرا على الناس وأخذا الصدقات، ثم رجعا إلى ثعلبة، فقال: أروني كتابكما، فقرأه فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، اذهبا حتى أرى رأيي فانطلقا، فلما رآهما رسول الله قال قبل أن يتكلما: يا ويح ثعلبة، ثم دعا للسليمي بخير، فأخبره بالذي صنع ثعلبة" ، فنزلت الآية. قوله: (ويؤدي منه) الخ، الجملة حالية من فاعل سأل. قوله: (فدعا له) أي في المرة الثالثة. قوله: (فوسع عليه) أي بأن رزق غنماً، فصارت تنمو كالدود.
قوله: { بَخِلُواْ بِهِ } أي حيث منع الزكاة لما جاءه السعاة لأخذها وقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية.