قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الآية: 85].
قال بعضهم: الروح شعاع الحقيقة يختلف آثارها فى الأجساد.
قال بعضهم: الروح عبادة، والقائم بالأشياء هو الحق.
وقيل: إن الأرواح نعيمها فى التجلى وعذابها فى الاستتار.
قال بعضهم: الروح لطيفة يرى من الله عز وجلّ إلى أماكن معروفة لا يعبر عنه بأكثر من وجود بإيجاد غيره.
قال الواسطىرحمه الله : الروح يمرّ بشىء من الأحوال من محبة وخَوف، ورجاء، وصدق، والمعرفة أنفت هذه المعانى كلها والأحوال للعقول والنفوس فقال: لما خلق الله عز وجل أرواح الأكابر ردها بمعرفته لها فأسقط عنها معرفتها به، وأبرأ إليها علمه بها فأسقط عنها ما علمت منه، فمعرفتها. معرفة الحق إياها، وعلمها علم الحق بها، وتصورها مراده إياها على محابها.
قيل: مباسطة الألطاف تنسى الأرواح، ومباشرة الأرواح تظهر عليها الألطاف.
وقيل فى قوله: { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } قال: قارن العلم بالروح لرقة لطافته بحملها لأنها وفى علمه. وتمكن معه بحمله فتفضل بأن جذبها إلى علمه وبلغ منها الحقيقة وليس الكل يعطونها كذى فهى ناطقة بعلم ما علمه فيها ومنها فهى يتزايد جذبها إليه وذلك حين يستولى عليها علمه بها، ونظره إليها فهى به تجول وبه معه تمور.
وقيل: الروح لم تخرج من الكون لأنها لو خرجت من الكون لكان عليها الذُّل، فقيل: من أى شىء خرجت؟ قال: من بين جماله، وقدس جلاله بملاحظة الإشارة غشاها بجماله، وردّها بحسنه واشتملها بسلامهِ، وحياها بكلامه فهى متقة من ذُلّ الكون.
وسُئل أبو سعيد الحداد عن الروح مخلوقة هى، قال: نعم فلولا ذلك لما أقرت بالربوبية حين قال: "بَلى" والروح هى التى أوقفت على البدن اسم الحياة، والروح ثبت العقل، وبالروح قامت الحجة ولو لم يكن الروح لكان متعطلاً يعنى العقل ولا حجة له ولا عليه.
وقال ابن عطاء فى قوله: { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } إن الله ستر الروح على جميع خلقه، وستر صفة صفات نفسه، وستر ما يبدو منه، وستر ما يعامل به الخلق عند معاينته إلا أن العلماء اتفقت أنها لطيفة وأنها خلقت قبل الأجسام واختصاصها من بين المخلوقات بكونها فى يد ربها حين قال لآدم: اختر إحدى يدى فزاده اختصاص الأخذ لطفًا وتقريبًا من ذات مالكها فبين به الخلق والأصل أنها مخلوقه لكنها ألطف المخلوقات، وهى أصفى الجواهر وأنورها بها تُرى المغيبات وبها يكون الكشف لأهل الحقائق، وإذا حجبت الروح عن ملاقات النفس دعات الستر أساءت الجوارح الأدب فى أوقاتها كذلك صارت الروح بين تحلى واستتار، ونازع وقابض وهى على قرب محلها من ربها وقت أخذها.
وسُئل الواسطىرحمه الله عن الأرواح أين كان مكانها حين أظهرها؟ قال: إن الأرواح خلقها وقبضها قبل الأجساد فأين كانت ترى؟ صار ما غاب عيانًا، لأن الدنيا والآخرة عند الأرواح سواء، وسُئل لأى علة كان محمد صلى الله عليه وسلم أحكم الخلق؟ قال: لأنه خلق روحه أولاً. فوقع له صحبة التمكين والاستقرار، ألا ترى يقول: "كُنْتُ نبيًا وآدم بين الروح والجسد" . أى لم يكن روحًا ولا جسدًا.
وقيل: معرفة الأشباح عقوله بها زمن عظيم ما وزد عليها والأرواح لا تهواها شىء ولا يستعظم كونًا ولا تكوننًا لأنها مأخوذة بشاهد الحق يجحد كل وارد يرد عليها من المستترات.
وقيل: الأرواح معتقة من رق الكون أظهر فيها من خفايا المخبات المصونات والمكونات بأعجب أعجوبة وسلم عليها كفاحًا وكانوا سالمين فى أزليته منه فى إظهار ديموميته سالمين منه فى أخرياته استحقوا اسم السلام بذلك.
قال بعضهم: نوَّر بالأرواح الأجساد ورفق بها وزينها بنعيم مشاهدة الأرواح وملاقاتها. ومباشرتها على حسن الأدب فإذا حجب الروح عن ملاقاة الجسد أساءت الجوارح فى أوقاتها الأدب.
وقال أبو سعيد القرشى: الروح روحان: روح الممات، وروح الحياة فإذا اجتمعا عقل الجسم فروح الممات الذى إذا خرج من الجسد يصير الحىّ ميتًا، وروح الحياة ما به مجارى الأنفاس وقوة الأكل والشرب وغيرها.
وقال الواسطىرحمه الله : الأرواح فى ثلاثة أشياء: أرواح الأجلّة الأنبياء غذاها بلطائف خطابها تجدهم يسامون من كل ما يفتخر به الخلق من أنواع الطاعات أو التزين بالعبودية وأرواح الصديقين والصالحين عذابها بملاحظاته تزداد على الأوقات نورًا وتبصرة، وأرواح العامة تأخذ غذاء من كل مأكول ومشروب.
وقال بعض البغداديين: الروح عبادة، والقائم بالأشياء الحق لا غير، فسُئل عن غيره القائم بالأشياء.
قال: قامت الأشياء بتوليه وحفظه.
وأنشد بعضهم:
تراعى الروح مطلعها فتعلو عن الأبراج تسرى كالنجوم
كذلك قالوا: محادثات الحق للسرائر تطغى كدورات الأشباح.