خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ
٢٧
-الحج

حقائق التفسير

قوله تعالى: { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } [الآية: 27].
قال ابن عطاء: رجالاً استخلصناهم للوفود علينا فليس يصلح لكل أحد أن يكون وفدًا إلى سيده والذي يصلح للوفادة فهو اللبيب فى أفعاله، والكيس فى أقواله، والعارف بما يبديه، وما يرد، وما يصدر.
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: قال ذو النون رحمة الله عليه وعليهم أجمعين: فأما الحج فزيارة بيت الله فريضة على كل مسلم فى دهره مرة واحدة من استطاع إليه سبيلاً. وفى الحج مشاهدة أحوال الآخرة. "ومنافع كثيرة" فى زيادة اليقين فى مشاهدتها ووجود الروح والراحة والاشتيقاق إلى الله، ولزوم المحبة للقلب والطمأنينة إلى الله، والاعتبار بالمناسك، والوقوف على معانيها وحقائقها، وذلك أن أول حالٍ من أحوال الحج العزم عليه، ومثل ذلك كمثل الإنسان الموقن بالموت والقدوم على الله فيكتب وصيته، ويوصى ويتحرى فيه لطاعة الله عز وجل ومرضاته، ويخرج من مظالم عباده ما أمكنه، ويخرج خروج الميت من دار الدنيا إلى دار الآخرة لا يطمع فى العود إليها أبدًا فيركب راحلته، وخير الرواحل التوكل ويحمل زاده وخير الزاد التقوى ويكون فى سيره كأنه محمول إلى قبره فإذا دخل السارية كأنه أدخل قبره، وعديله عدله فى نفسه، وإخوانه من المسلمين ومن ولاه الله أمرهم واسترعاه حقهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" .
وأنيسه العمل الصالح والذكر، فإذا بلغ موضع الإحرام فكأنه ميت ينشر من قبره، ونودى لوقوفه بين يدى الله ربه وذلك قوله تعالى: { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } إلى قوله: { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } والتلبية إجابة النداء بقوله: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك فى وحدانيتك، وإلهيتك، وربوبيتك. لبيك إن الحمد والنعمة لك فيما أنهضتنا لزيارتك، وأخرجتنا إلى بيتك، وأهلتنا لذلك، والملك لا شريك لك فيه لا يعتمد فى ملكك على أحد سواك. والاغتسال للإحرام كغسل الميت، ولبس ثياب الإحرام كالكفن فإذا وقف فى الموقف أشعث أغبر كأنه أخرج من قبره والتراب على رأسه، ودفعه بدفع الإمام، وسيره بسيره. كشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم إلى ربه والخلق معه يستشفعون به فيشفع ويشفع، يسيرون بسيره. وينصرفون بانصرافه، والمزدلفة كالجواز على الصراط. ورمى الجمار كرفع البراة فمن قُبِل منه فاز ونجا من لم يقبل منه ورُدَّ عليه هلك. والصفا والمروة ككفتى الميزان: الصفا: الحسنات، والمروة: السيئات. فهو يعدو مرَّةً إلى هذه الكفة، ومرة إلى هذه الكفة ينتظر ما يكون من رجحان أحد الشقتين: ومنسكًا: الأعراف بين الجنة والنار. والمسجد الحرام: كالجنة التى من دخلها أمن من بوائق الآفات. والبيت كعرش الله، والطواف به كطواف الملائكة بالعرش، وحلق الرأس اشتهار بالعمل، كل امرئ يكشف رأسه بعمل، فالمؤمن يباهى به، والمنافق يفتضح به، ونعوذ بالله من ذلك.
وسئل بعضهم ماذا أسأل فى الحج وفى الموقف؟ قال: سله قطع نفسك عنه بترك كل ما يقطعك عن القربة، واستعمال كل ما يوجب الزلفة وانشدت فى معناه:

لَستُ مِن جُملة المُحبين إنْ لَمْ أجعَل بَيْتَهُ وَالمقَامــا
وطَوافِى إحالةٌ السِّر فِيه وهُوَ رُكنى إذَا أردت استلاَما

ثم قال: اجعل البيت قلبك، واجعل مكة طرقًا لقلبك، واجعل طوافك حوله طوافًا من سرك تجد الله كوجود البيت إن كنت هكذا وإلا فأنت ميت.
قال: وجاء رجل إلى الجنيد رحمة الله عليه يستأذنه فى الحج على التجريد فقال: جرد قلبك من السهو، ونفسك من اللهو، ولسانك من اللغو، ثم اسلك حيث شئت.