خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ
١١
-الأنفال

حقائق التفسير

قوله عز اسمه: { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } [الآية: 11].
قال سهل: النعاس ينزل من الدماغ والقلب حَىٌّ، والنوم يحل بالقلب من الظاهر وهو حكم النوم، وحكم النعاس حكم الروح.
قال بعضهم: ألقى على الصحابة النعاس حتى غلبهم ذلك، فلم يبق منهم أحداً إلا وهو ناعس تحت حجفته، فلما أزال عنهم أوصافهم وبرأهم من حولهم وقوتهم أيدهم بالأمن، ليعلموا أن النصر من عنده، وهو الذى يهزمهم لا هم وأنه الملقى فى قلوبهم الرعب، وأن الكل إليه وليس إليهم من الأمر شىء.
قوله تبارك وتعالى: { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [الآية: 11].
قال ابن عطاء: أنزل عليهم ماء طهر به ظواهر أبدانهم ودنسها، وأنزل عليهم رحمة نوَّر بها قلوبهم وشفا بها صدورهم عن وساوس العدو، وألبس بواطنهم لباس الطمأنينة والصدق.
قال بعضهم: كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة، تنسيهم الاستغفار من تلك الخطيئة.
قال بندار: الاستدراج هو أن يترك المستدرج مع ظاهر الرسوم مع غيبته عن الحقائق والفهم الفائد.
قوله تعالى:
{ { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 185].
قال بعضهم: النظر فى الملكوت يورث الاعتبار والنظر إلى المالك يسقط عنهم الاشتغال بسواه.
قال سهل: أخبر الله عن قدرته على عباده ووصف حاجتهم إليه وما خلق من شىء مما سمعوا به ولم يروه فاعتبروا به، ولو شاهدوا ذلك بقلوبهم لوصفوه مثل المعاينة، آمنوا بالغيب فأدَّاهم الإيمان إلى مشاهدة الغيب الذى غاب عنهم، وورثوا بذلك درجات الأنوار فصاروا أعلامًا للهدى.
قوله تعالى:
{ { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [الأعراف: 188].
قال سهل: كيف يملك نفع غيره من لا يملك نفع نفسه.
قال أبو الحسين الوراق حاكيًا عن أبى عثمان أنه قال: عجز الخلق عن إيصال نفع إلى نفسه أو دفع ضرر عنها آجلاً وعاجلاً، فكيف يثق بإيمانه وكيف يعتمد على طاعاته؟ قال الله تعالى:
{ { لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [الأعراف: 188] لأن النافع والضار هو الله مكَّن الخلق من الأسباب وهو المسبب لجميع ذلك.
قوله تعالى:
{ { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ } [الأعراف: 188].
قال بعضهم: لو كنت أملك الغيب وأقدر عليه لما مسنى السوء، ولكن طويت الغيوب عنا وأُلزمت الملامة لنا.
قوله تعالى:
{ { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف: 189].
قال بعضهم: خلقها ليسكن إليها فلما سكن إليها غفل عن مخاطبات الحقيقة لسكونه إليها، فوقع فيما وقع من تناول الشجرة.
قوله تعالى:
{ { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } [الأعراف: 196].
قال بعضهم: لاحظ الأولياء بعين اللطف ولاحظ العباد بعين البر، ولاحظ الأنبياء بعين التولى فقال:
{ { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ } [الأعراف: 196].
وقيل فى قوله:
{ { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } [الأعراف: 196] عن رعونة البشرية توليًا، وأصلح الخواص بصحة المقصود والإقرار بالإخلاص للمعبود، وأصلح العوام بصحة الأوقات.
وسُئل جعفر عن الحكمة فى قوله: وهو يتولى الصالحين ونحن نعلم أنه يتولى العالمين، فقال: التولية على وجهين: تولية إقامة وإبراء، وتولية عناية ورعاية لإقامة الحق.
قال الواسطى رحمة الله عليه: يتولى الصالحين بالوقاية والرعاية، ويتولى الفاسقين بالغواية.
قوله تعالى:
{ { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ } [الأعراف: 198].
قيل: كيف يسمع الدعاء من أصمه الداعى عن المدعو إليه، ولا يسمع نداء الحق إلا من أسمعه فبإسماعه يسمع لا باستماعه ولا بسمعه.
قوله تعالى:
{ { وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [الأعراف: 198].
قيل: بأنفسهم ينظرون إليك، فلا يبصرون خصائص ما أودعناه فيك، وبركات ما أجرينا فى الخليقة بك، وكذا من نظر بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجب عن إدراك معانيه حتى ينظر ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو أيضًا قاصر النظر حتى تنظر إليه بالحق ومن الحق، إذ ذاك يتبين له شرف ما خص به.
قال بعضهم: النظر إلى السفير للأدنى والمبلغ للأعلى، والرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم نظر عام، ولكن لا يبصره فى النظر إليه، ولا يراه إلا الخواص، فمن أبصره أو رآه ظهرت عليه بركات رؤيته بقدر ما كشف له عن رؤيته وفتح من بصره، ألا تراه يقول:
"طوبى لمن رآنى" وقد رآه الكفار وشاهدوه، ولكن طوبى لمن رآه بالموضع الذى وضع ورزق فى مشاهدة عظيم حرماته، ولم يكتفِ بمشاهدة ظاهره بهذه الرؤية التى تظهر على الرأى نتائج هذه البركات، التى لو فاضت واحدة منها على أهل الأرض لوسعتهم.
وقال سهل: هى القلوب التى لم يزينها الله بأنوار القربة، فهى عمى عن إدراك الحقائق ورؤية الأكابر.
وقال القناد: تراهم ينظرون إليك قال: لا يفهمون ما ألقى إليهم، بل يسمعون صفحًا وهم عنه معرضون.
قوله تعالى:
{ { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199].
قال بعضهم: أمر النبى صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق ظاهرًا وباطنًا، والصفح عن زلات الخلائق، والأمر بمكارم الأخلاق، ويعرض عن الجاهلين أى: أعرض عن المعرضين عنَّا فهم الجُهَّال.
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم سُئل جبريل صلى الله عليه وسلم عن تفسير هذه الآية فقال:
"تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك وتحسن إلى من أساء إليك" .
وروت عائشة الصديقة بنت الصديق رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بالعفو عن أخلاق الرجال بقوله: { خُذِ ٱلْعَفْوَ }.
وقال بعضهم: أقبل عليهم بظاهرك ولا تكن بباطنك إلا مقيدة علينا.
قال ابن عطاء: { خُذِ ٱلْعَفْوَ } المشاهدة، وأمر بالعرف واستعن بالله على ما نلت من القرب، وأعرض عن الجاهلين، قال: هى النفس إذا طالعت شهواتها.
وقال بعضهم: مكارم الأخلاق كلها فى قوله.
ماء اليقين إذا نزل على الأسرار أسقط عنها الاختلاج والشك، قال الله تعالى: { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } من كل ما تدنستم به من أنواع المخالفات.
قوله تعالى: { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ }.
قال بعضهم: ربط على قلوب أوليائه، لتلقى البلاء بأسلحة الصبر، وربط على قلوب العارفين لثبات الأسرار فى مشاهدة ما يبدو لهم من الغيوب.
قال بعضهم: القلوب ثلاثة: قلبٌ مربوط بالأكوان، وقلب مربوط بالأسامى والصفات وقلب مربوط بالحق.