خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٢
-يونس

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }.
الوليُّ على وزن فعيل مبالغة من الفاعل، وهو مَنْ تَوَالَت طاعاته، من غير أن يتخللها عصيان.
ويجوز أن يكون فعيل بمعنى مفعول كجريح وقتيل بمعنى مجروح ومقتول؛ فيكون الوليُّ مَنْ يتوالى عليه إحسانُ الله وأفضاله، ويكون بمعنى كونه محفوظاً في عامة أحواله من المحن.
وأشدُّ المحن ارتكابُ المعاصي فيعصمه الحقُّ - سبحانه - على دوام أوقاته من الزلاَّت.
وكما أن النبيَّ لا يكون إلا معصوماً فالوليُّ لا يكون إلا محفوظاً.
والفَرْقُ بين المحفوظ والمعصوم أن المعصوم لا يُلِمُّ بِذَنْبٍ ألْبَتَّةَ، والمحفوظُ قد تحصُل منه هَنَات، وقد يكون له - في الندرة - زَلاَّتٌ، ولكن لا يكون له إصرار:
{ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } [النساء:17].
قوله جلّ ذكره: { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.
حسنٌ ما قيل إنه { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }: في الدنيا، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }: في العاقبة. ولكن الأوْلى أَنْ يقال إن الخواص منهم لا خوفٌ عليهم في الحال - لأنَّ حقيقةَ الخوفِ توقُّع محذورٍ في المستقبل، أو ترقُّب محبوب يزول في المستأنف.. وهم بِحُكْمِ الوقت؛ ليس لهم تطلّعُ إلى المستقبل. والحزن هو أن تنالهم حُزُونة في الحال، وهم في رَوْحِ الرضا بكلِّ ما يجري فلا تكون لهم حزونة الوقت. فالوليُّ لا خوفٌ عليه في الوقت، ولا له حزن بحال، فهو بحكم الوقت.
ولا يكون وليَّاً إلا إذا كان موفَّقاً لجميع ما يلزمه من الطاعات، معصوماً بكل وجه عن جميع الزلات. وكلُّ خصْلَةٍ حميدة يمكن أن يُعْتَبَرَ بها فيقال هي صفة الأولياء. ويقال الوليُّ مَنْ فيه هذه الخصلة.
ويقال الوليُّ من يُقَصِّر في حقِّ الحق، ولا يؤخِّر القيام بحق الخَلق؛ يطيع لا لخوف عقاب، ولا على ملاحظةِ حسن مآب، أو تطلع لعاجلِ اقتراب، ويقضي لكلِّ أحدٍ حقاً يراه واجباً، ولا يقتضي من أحدٍ حقاً له، ولا ينتقم، ولا ينتصف ولا يشمت ولا يحقد، ولا يقلد أحداً مِنّةً، ولا يرى لنفسه ولا لما يعمله قَدْرَاً ولا قيمة.