قوله جلّ ذكره: { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ }.
أظهروا من أنفسهم التجلَّدَ ظنَّا بأَنَّ النصرةَ لهم، وإخلاداً إلى ما كان السَّحَرَةُ يُسوِّلُون لهم، فَخَيَّروا موسى في الابتداء بناءً على ما توهموا من الإلقاء، فقال لهم موسى: { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ }.
قال لهم موسى بل ألقوا أنتم، وليس ذلك إذْناً لهم في السحر، ولكن أراد الحقُّ إظهارَ تمويههم، فلمَّا خَيَّلوا للناس بإلقاءِ الحِبال أنها حياتٌ ابتَلَعَتْ عصا موسى جُمْلَةَ ما صَنَعُوا، وتحقَّقَ السَّحَرة أنَّ ذلك أمرٌ سماويٌّ حيث تلاشى عين ما كان معهم من أوقار الحِبَال، وصار الثعبانُ عَصَاً كما كان، فسجدوا لله مؤمنين، وانقلب فرعونُ وقومُه خائِبين، وتَوَعَّدَهم بالقتل والصَّلْبِ، وفنونٍ من العذابِ الصعب، وبعدما كانوا يقْسِمُون بِعِزَّةِ فرعونَ صاروا يَحْلِفُونَ بالله.