خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
١٣
ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ
١٤
-المؤمنون

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً }.
قطرةٌ أجزاؤُها متماثِلَةٌ، ونُطْفَةٌ أبعاضُها متشاكِلة، ثم جعل بعضها لْحماً وبعضَها عَظْماً، وبعضَها شَعْراً، وبعضها ظُفراً، وبعضها عَصَبَاً، وبعضها جِلْدَاً، وبعضها مُخَّاً وبعضها عِرْقاً. ثم خَصَّ كُلَّ عضوٍ بهيئةٍ مخصوصةٍ، وكلَّ جُزْءٍ بكيفيةٍ معلومةٍ. ثم الصفاتُ التي للإنسان خَلَقَهَا متفاوتةً، من السَّمْع والبَصَرِ والفِكْرِ والغَضَبِ والقدرةِ والعلم والإرادةِ والشجاعةِ والحقد والجودِ والأوصافِ التي يتقاصر عنها الحَصْرُ والعَدُّ.
قوله جلّ ذكره: { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }.
في التفاسير أنه صورة الوجه، ويحتمل ما تركب فيه من الحياة، واخْتُصَّ به السَّمْع والبصر والعقل والتمييز، وما تفرَّد به بعضٌ منهم بمزايا في الإلهام العام للعقل وسائر الإدراكات.
ويقال: { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ }: وهو أَن هَيَّأهم لأحوالٍ عزيزة يُظْهِرها عليهم بعد بلوغهم، إذا حصل لهم كما التمييز من فنون الأحوال؛ فلقومٍ تخصيصٌ بزينة العبودية، ولقومٍ تحرُّرٌ من رِقِّ البشرية، ولآخرين تحقَّقٌ بالصفاتِ الصمدية بامتحائهم عن الإحساس بما هم عليه وبه من الأحوال التي هي أوصاف البشرية.
قوله جلّ ذكره: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }.
خلق السماواتِ والأرضين بجملتها، والعرشَ والكرسيَّ، مع المخلوقات من الجنة والنار بكليتها - ثم لمَّا أخبر بذلك لم يعقبه بهذا التمدح الذي ذكره بعد نعت خَلْقِه بني آدم تخصيصاً لهم وتمييزاً، وإفراداً لهم من بين المخلوقات.
ويقال إنْ لم يَقُلْ لَكَ إِنَّكَ أحسنُ المخلوقاتِ في هذه الآية فلقد قال في آية أخرى:
{ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4].
ويقال إن لم تكن أنت أحسن المخلوقات وأحسن المخلوقين - ولم يُثْنِ عليك بذلك فلقد أثنى على نفسه بقوله: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }، وثناؤه على نفسه وتمدحه بذلك أعزُّ وأجلُّ من أن يثني عليك.
ويقال لما ذكر نعتَك، وتاراتِ حالِكَ في ابتداء خَلْقَك، ولم يكن منك لسانُ شكرٍ ينطق، ولا بيانُ مدحٍ ينطلق.. نَابَ عنك في الثناء على نفسه، فقال: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }.