خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١١
-النور

لطائف الإشارات

هذه قصة عائشة رضي الله عنها، وما كان من حديث الإفك.
بَيَّنَ اللَّهُ - سبحانه - أنه لا يُخْلِي أحداً من المحنة والبلاء، في المحبة والولاء؛ فالامتحان من أقوى أركانه وأعظم برهانه وأصدق بيانه، كذلك قال صلى الله عليه وسلم
"يُمْتَحَنُ الرجلُ على قَدْرِ دينه" ، وقال: "أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" .
ويقال إن الله - سبحانه - غيورٌ على قلوب خواصِّ عباده، فإذا حصلت مساكنةُ بعض إلى بعضٍ يُجْرِي الله ما يَرُدُّ كُلَّ واحدٍ منهم عن صاحبه، ويردُّه إلى نفسه، وأنشدوا:

إذا عَلِقَت روحي بشيءٍ، تعلَّقَتْ به غِيَرُ الأيام كي تسْلُبَنِّيَا

"وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا قيل له: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة" فساكنها.
وفي بعض الأخبار أن عائشة قالت: "يا رسول الله إني أحبك وأحب قربك"... فأجرى اللهُ حديثَ الإفك حتى ردَّ قلبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها إلى الله، وردَّ قلب عائشة عنه إلى الله؛ حيث قال - لما ظَهَرَتْ براءةُ ساحتها: بحمد الله لا بحمدك كشف الله عنها به تلك المحنة، وأزال الشكَّ، وأظهر صِدْقَها وبراءة ساحتها.
ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"اتقوا فراسةَ المؤمن فإنَّ المؤمن ينظر بنور الله" فإذا كانت الفراسةُ صفة المؤمن فأوْلى الناس بالفراسةِ كان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تظهر له بحكم الفراسة براءةُ ساحتها، حتى كان يقول: "إنْ فَعَلْتِ فتوبي" .
والسبب فيه أنه في أوقات البلاء يَسُدُّ اللَّهُ على أوليائه عيونَ الفراسةِ إكمالاً للبلاء. وكذلك إبراهيم - عليه السلام - لم يميِّز ولم يعرف الملائكة حيث قَدَّمَ إليها العِجْلَ الحنيذ، وتوهمهم أضيافاً. ولوط عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة إلى أن أخبروه أنهم ملائكة.
ويقال
" "إنه كان - صلى الله عليه وسلم - يقول لعائشة: يا حُمَيرَاء"
. فلما كان زمان الإفك، وأرسلها إلى بيت أبويها، واستوحش الأبوان معها، ومَرِضَتْ عائشةُ - رضي الله عنها - من الحزن والوجد، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى واحداً من دار أبي بكر يقول:
"كيف بيتكم؟ لا عائشة ولا حميراء فما كان يطيب بالتغافل عنها، فتعبيره - إن لم يُفهَمْ بالتصريح - فيُفْقَهُ بالتلويح.
ثم إنه - سبحانه - قال: { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ }: فبمقدار جُرْمِهم احتمل كلُّ واحدٍ ما يخصُّه من الوِزْرِ.