خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
١٥٠
قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
١٥١
-الأعراف

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ }.
لو وجد موسى قومه بألف ألف وِفاقٍ لكان متنغِّصَ العيش لِمَا مني به من حرمان سماع الخطاب والرد إلى شهود الأغيار.. فكيف وقد وجد قومه قد ضلوا وعبدوا العجل؟ ولا يُدْرَى أيُّ المحن كانت أشدَّ على موسى:
أَفِقدانُ سماع الخطابِ؟ أو بقاؤه عن سؤال الرؤية؟ أو ما شاهد من افتنان بني إسرائيل، واستيلاء الشهوة على قلوبهم في عبادة العجل؟ سبحان الله! ما أَشدَّ بلاءه على أوليائه!
قوله جلّ ذكره: { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }.
إن موسى عليه السلام وإنْ كان سَمِعَ من اللهِ فتَنَ قومه فإنه لما شَاهَدَهُم أثَّرت فيه المشاهدةُ بما لم يؤثر فيه السماع، وإنْ عُلِمَ قطعاً أنه تأثر بالسماع إلا أن للمعاينة تأثيراً آخر.
ثم إن موسى لما أخذ برأس أخيه يجره إليه استلطفه هارونُ في الخطاب.
فقال:
{ يَبْنَؤُمَّ } [طه: 94] فَذَكَرَ الأمَّ هنا للاسترفاق والاسترحام.
وكذلك قوله:
{ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [طه: 94] يريد بهذا أنه قد توالت المحنُ علي فذرني وما أنا فيه، ولا تَزِدْ في بلائي، خلفتني فيهم فلم يستنصحوني. وتلك عليَّ شديدةٌ. ولقيتُ بَعْدَكَ منهم ما ساءني، ولقد علمت أنها كانت علي عظيمة كبيرة، وحين رجعتَ أخذتَ في عتابي وجر رأسي وقصدْتَ ضربي، وكنت أود منك تسليتي وتعزيتي. فرِفقاً بي ولا تُشْمِتْ بي الأعداء، ولا تضاعِفْ عليّ البلاء.
وعند ذلك رقَّ له موسى - عليه السلام، ورجع إلى الابتهال إلى الله والسؤال بنشر الافتقار فقال: { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ } وفي هذا إشارة إلى وجوب الاستغفار على العبد في عموم الأحوال، والتحقق بأنَّ له - سبحانه - تعذيبَ البريءِ؛ إذ الخلقُ كُلُّهم مِلْكُه، وتَصَرُّفُ المالكِ في مِلْكه نافذٌ.
ويقال: ارتكابُ الذَّنْبِ كان من بني إسرائيل، والاعتذارُ كان من موسى وهارون عليهما السلام، وكذا الشرط في باب خلوص العبودية.