خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٤
-الأنفال

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم }.
أجاب واستجاب بمعنى مثل أوقد واستوقد، وقيل للاستجابة مزية وخصوصية بأنها تكون طوعاً لا كرهاً، وفَرْقٌ بين من يجيب لخوفٍ أو طمع وبين من يستجيب لا بِعِوَضٍ ولا على ملاحظة غَرَضٍ. وحقُّ الاستجابة أن تجيب بالكلية من غير أَنْ تَذَرَ من المستطاع بقية.
والمستجيبُ لربه محوٌ عن كلِّه باستيلاء الحقيقة، والمستجيب للرسول - صلى الله عليه وسلم وعلى آله - قائم بشريعته من غير إخلال بشيء من أحكامها. وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالاستجابة له - سبحانه، وبالاستجابة للرسول؛ فالعبدُ المستجيبُ - على الحقيقة - من قام بالله سرَّاً، واتصف بالشرع جهراً فيُفْرِده الحقُّ - سبحانه - بحقائق الجمع و (...) في مشاهدة الفرق، فلا يكون للحدثان في مشرب حقائقه تكدير، ولا لمطالبات الشرع على أحواله نكير.
قوله جلّ ذكره: { لِمَا يُحْيِيكُمْ }.
إذْ لمَّا أفناهم عنهم أحياهم به.
ويقال العابدون أحياهم بطاعته بعد ما أفناهم عن مخالفته، وأما العالِمون فأحياهم بدلائل ربوبيته، بعد ما أفناهم عن الجهلِ وظُلْمته. وأمَّا المؤمنون فأحياهم بنور موافقته بعد ما أفناهم بسيوف مجاهدتهم. وأمَّا الموَحِّدونَ فأحياهم بنور توحيده بعد ما أفناهم عن الإحساس بكل غير، والملاحظة لكل حدثان.
قوله جلّ ذكره: { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.
يصون القلب عن تقليب أربابها فيُقلِّبها كما يشاء هو، من بيان هداية وضلال، وغَيبةٍ ووصالٍ، وحُجْبةٍ وقُرْبة، ويقينٍ ومرية، وأُنْسٍ ووحشة.
ويقال صان قلوب العُبَّادِ عن الجنوح إلى الكسل، فجدُّوا في معاملاتهم، وصان قلوب المريدين عن التعريج في أوطان الفشل فصدقوا في منازلاتهم، وصان قلوب العارفين - على حدِّ الاستقامة - عن الميْل فتحققوا بدوام مواصلاتهم.
ويقال حال بينهم وبين قلوبهم لئلا يكون لهم رجوعٌ إلا إلى الله، فإذا سنح لهم أمر فليس لهم إلا الأغيار سبيل، ولا على قلوبهم تعويل. وكم بين من يرجع عند سوانحه إلى قلبه وبين من لا يهتدي إلى شيء إلا إلى ربِّه! كما قيل:

لا يهتدي قلبي إلى غيركم لأنه سُدَّ عليه الطريق

ويقال العلماء هم الذين وجدوا قلوبهم، قال تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْب } [ق: 37] والعارفون هم الذين فقدوا قلوبهم.