خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ
٣٩
وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ
٤٠
وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٤١
وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ
٤٢
وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ
٤٣
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٤٤
-يونس

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } بين الله سبحانه عجز خواطر الجهل عن ادراك علوم المجهولة عند اكثر الخلق والذات فلما لم يكونوا من اهل الخطاب كذبوا حقائق الخطاب الذى جرى على لسان الاولياء والصديقين والانبياء والمقربين وهكذا عادة المفلسين والمنكرين كرامات اهل المشاهدات وفراسات اهل المكاشفات لجهلهم وغرورهم وقياساتهم الفاسدة قال تعالى واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم يسمعون حقائق كلمات القوم التى هى مخبر عن حقايق اسرار الغيب ويسمونها طامات يا ليتهم لو يشمون من الف === لطاروا من الفرح بواحد انها لكن ما خلقوا لقبول الخلائق قال بعضهم كذبوا اولياء الله فى براهينهم لما حرموا ما خص القوم به والمحروم من حرم خطه من قبولهم وتصديقهم الايمان بما يظهر الله عليهم من انواع الكرامات قال ابو تراب النخشى اذا بعدت القلوب عن الله مقتت القائمين بحقوق الله وقال امير المؤمنين على ابن ابى طالب كرم الله وجهه الناس اعجائ لما جهلوا ثم بين سبحانه انهم يحرمون من سماع الخطاب الخاصة وعن رؤية جمال القديم بالبصاير الصافية عن كدورات عوارض البشرية بقوله { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } هذه الاية مصدق الاول لما لم يسمعوا باسماع العقول والافهام خطاب الغيب كذبوا حقائق الالهام ولما لم يبصروا مشاهدة الحق بعيون القلوب كذبوا ما اخبرهم اولياء الله مما راوا من انوار الغيوب صرح الحق سبحانه انهم مسلوبون فى الازل اسماع خصوصية العقول القدسية الملكوتية وابصار الارواح الجبروتية لا جرم لم يكن لهم استعداد قبول الحقائق وعلم الدقائق وقد تبين ان المعرفة لحقائق العلوم المدنية والنظر الى عالم الملكوت لم يكن مكتسبا بل هما موهبتان خاصتان من مواهب الله الخاصة الازلية خص بهما فى سابق علمه واوائل حكمه اهل خالصة وده بغير اعتدال اكتسابهم ولو كان مكتسبا لكان النبى صلى الله عليه وسلم قادرا على ان يسمعهم ويبصرهم بل فضل الله === من يشاء من خواص عباده خالصة عرفانه والحمد لله الذى خص === بسمع الخاصة من اسماء صفاته والحمد لله الذى اصطفى اوليائه البصر الخاص من ابصار صفاته ولم يبق بين ذلك السمع والاسماع والخطاب حجاب ولم يبق بين ذلك البصر والابصار ورؤية جماله === قال الحسين من استمع اليك باياه فانك لا تسمعه انما تسمع من اسمعناه فى الازل فيسمع منك واما من لم تسمعه فما الاصم والسماع فان سمع لم يعقل فكانه لم يسمع قال الله ان يسمع الا من يؤمن باياتنا الا من اجرينا عليه حكم السعادة فى الازل قال بعضهم اذا انت لم يسمع نداء الله فكيف يجب داعى الله وقال الواسطى ليس من ينظر اليك بنفسه يراك انما يراك من ينظر اليك بنا فاما من ينظر اليك بنفسه او به فانه لا يراك ولا يراك الا من يعمر اوقاته فى رويتك ويستغرق هو فيها قال الله وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون فقال صلى الله عليه وسلم طوبى لمن رانى ومن رانى من رانى ثم بين سبحانه ان ما يجرى فى الاكوان من الامر والقضاء والطاعة والمعصية والكفر والاسلام هو ما جرى فى الازل باقلام الاقدار على الواح الاحكام السابقة بمشيئة الله وارادته القائمة بذاته وفيما قسم فى الازل لخلقه كان حكماً عليماً حكيما لم يظلم فى ذلك حيث اختار قوما بالولاية والنبوة والزم قوما الكفر والضلالة لانه مالك الملك يتصرف فى ملكه كما يشاء بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً } لا يظلم على الكافر والمطرود اذا عاقبهم فانهم مخلوقين فى الازل لقهره لا للطفه ولا يظلم على اهل لطفه حيث يربيهم بلطائف مشاهدته باقدار حواصلهم ثم اعلمنا ان تلك الطائفتين السعداء والاشقياء يظلمون بانفسهم بقوله { وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ظلم سعداء المعرفة والمحبة على انفسهم انهم يريدون ان يدركوا الحق بحقيقة ازليته وهم الى ادراك كنهه وهو تعالى عالم بعجز الحدث عن حمل وارد القدم كما هو فيريهم ما يطيقون من نفسه ولو يريهم من حقائقه ذرة يملكون فى اول بوادى سطواتها وظلم استفناء الكفر طلب الربوبية من اهل العبودية قال الواسطى فى هذه الاية لا يتجلى لهم بحقه فان ذلك ظلم لان الخلق لا يحتملونه بل فيه ذهابهم ويستحيل ان يكون لهم من القوة ما يطيقون بحقه اذ فى ذالك مساواة ومقارنة.