خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ
٩
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
١٠
إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١١
-هود

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } ان الله سبحانه وصف الممتحن الذى ذاق من طعم احوال العارفين والمحبين والمريدين واقتحم فى خطوط النفس وظلمات هواها واحتجب بها عن مذاق مراتب الذاكرين والصالحين ولم يتدارك ما فاته من عمارة الاوقات وحراسة الانفاس بقى فى حجابه وليس من مدارك احواله وزاد خوضه فى متابعة النفس ويكون هالكا مع الهالكين وكم من طائفة هلكوا فى هذه الوصلة ولم ينتعشوا قال قائلهم وكان لى مشري يصفوا برؤيتكم فكذرته الايام حين صفا قال ابو سعيد الخراز من ذيق حلاوة الذكر وصفاء السر ثم نزع منه من ستى المقامات والاحوال فليحكم لقلبه بالموت ولسره بالعمى عن طريق الهدى لذلك قال الله ولئن اذقنا الانسان منا رحمة وهو يحل القربة ثم نزعناها منه وهو حجاب النعمة ثم ذكر سبحانه وصف المتخلص من محن الفراق والناقة من مرض سم افاعى القهر بمفرح الترياق اذ ادرك ما فاته وطلع عليه شمس العناية مشرق الكفاية واقبل عليه ايام السعادة بعذ ذهاب ايام الشقاوة بقوله { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } اذقناه نعماء الوصال بعد ضراء الفراق اذقناه من شراب الوداد بعد رجوعه الى المراد يطربه المواجيد ويسكره انوار شراب الوصلة فيهيج نفسه بهيجان قلبه ويضطرب ويفرح بذهاب ظلمة الهجران عنه ويظن ان الاوقات باقيات عليه فيدعى بدعاوى البشرية بالمقامات والاحوال عند الخلق وذلك غلط عظيم يفرح بغلطه ولا يعلم مزلة قدمه فيكون بعد ذهاب الوقت كما كان وذلك معنى قوله { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } ثم استثنى الله سبحانه اهل الاستقامة والثبات فى موازات تجلى انوار قدمه نبعت الختوع والفناء حتى يجرى عليهم بديهة المكاشفة وجدوا من اغلى الزلفة وارفع القربة ولا يفشون تلك الاسرار عند الخلق بنعت الدعوى ومعنى قوله علموا الصالحات استقامتهم على تدارك الاوقات بوصف ومنع اقدام الصدق على هواهم حيث يراعون انفاسهم ويقدسونها عن شوبها مع الخطرات ثم وعد الله لهم بصبرهم واستقامتهم وتدارك احوالهم عقران ما مضى من الفترة والغفلة وانه تعالى يسترهم عن نفوسهم وهو اجسها وشياطينهم ووساوسها بقوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } المغفرة اقبال الله عليهم بوصف قبولهم والاجر الكبير ودوام الاوقات على السرمدية وتواتر المواجيد وبلوغهم الى انبساطات الاول بوصف رفع الاحتشام وتذكير ما سلف من الفرقة وقال الاستاد فى تفسير قوله ولئن اذقناه نعماء بعد ضراء مسته من استمسك بعروة التضرع واعتكف بعقوة التذلل وتحسر كاسات الحسرة علا بعد نهل كالعة الحق بنعت الرحمة وجدد له ما اندرس من احوال القربة واطلع عليه شمس الاقبال بعد الافول والغيبة كما قيل

تقشع غيم الهجر عن قمر الحب واشرف نور الصبح فى ظلمات الغيب

وليس للاحوال الدنياوية كبر خطر فى التحقيق ولا بعد نوالها وتكدرها من جملة المحن عند ارباب التحصيل لكن المحبة الكبرى والوزية العظمى ذبول غصن الوصال وتكدر مشرب القرب وافول شوارق الانس ومد بصائر ارباب الشهود فعند ذلك يقوم قيامتهم وهنالك تسلب العبرات وهى ارواح فتقطر من العيون بتصاعدها فاذا نعق فى ساحات هؤلاء غراب البين ارتفع الى السماء نباح اسرارهم بالويل ومن جملة ما قولا فى ذلك

لولا لمن سلب الفواد فراقه ولقد عهدنا والمناخ عناقه
تغد الغراء فبالذى هو بيننا الا وثبت لزدنا ازهاقه
عهدى لن حجد الهوى ارمان ما نور الصبابة لا يضيق نطاقه
فالآن === الزمان بوصلنا ضاق البسيط فشانه فعرافه
هل ترتحى من وصل عزة رجعه تخفوا على فمر يدوم ===
ان كان ذاك كما تريد فخازما فجر المسرة ان يرى اشراقه