خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٥
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
٢٦
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
٢٧
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
٢٨
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ
٢٩
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٠
-يوسف

عرائس البيان في حقائق القرآن

قال الله تعالى { وَٱسُتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } لما بدأ ليوسف اوايل سطوات الازل وانوار كشف تجلى الابد لم يحتمل اوايلها وعجل سره فى اول بديهة التوحيد فر من اماكن الخطر ولو صبر حتى غاص فى بحر الوحدانية لم يحتج الى الفرار الى الباب وان يمكن فى رؤية الحق وبرهانه وسكن ونظر الى مزليخا بنظر التوحيد لتذوب زليخا بنظره اليها والتقديس من شهواتها لان حقيقة التوحيد اذا غلبت نادى الى فناء ما دون الله وتاثر فى كل ناظر الى صاحبها بان لا يبقى فيه اثر للشهوة الانسانية ولما لم يكن كذلك ما اثر فى زليخا حتى عدت خلقه الى الباب وقدت قميصه ولو كان يوسف مستقرقا فى اواخر التوحيد لاحترقت زليخا وما قدرت ان تعد وخلقه وتمزق قميصه كان يوسف فى اوايل لتوحيد وزليخا فى اواخر العشق فلم يوثر التوحيد فى العشق وتخريقها ثوب يوسف من غلبة عشق الانسانى على عشق الروحانى ولما خرقت قميصه من عشق الانسانى صار تخريق القميص برهان ليوسف شاهدا على صدقه قال بعضهم لو فر الى الله والتجا اليه لكفى لكنه لما هرب منهما وفر بنفسه اكمل نفسه محل التهمة حتى قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا فلما نصب الله البرهان وطرد الشيطان فدخل عليها زوج زليخا وراى حالهما العيان قال تعالى { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ } اضاف اسم السيد الى زليخا لان الله سيد يوسف حقيقة لانه كان حرا بالتوحيد وحرا بالتفريد وكذا على ظاهر الشريعة وما اطيب العشق الى ان يوول الى الشناعة فان عيش العاشق فى الملامة اطيب قيل فى قوله والفيا سيدها لدى الباب لم تقل سيدهما لان يوسف كان فى الحقيقة حرا ولم يكن العزيز له سيدا فلما افشى سر العشق بينهما واطلع زوجها على سرها نفت عن نفسها الحرم لانها علمت ان لو بين جرمها عند زوجها لقتلها وابقت من حلاوة محبة يوسف والنظر الى وجهه كذلك اوقعت الحرم على يوسف

بحبك احببت البقاء لمهجتى فلا طال ان اعرضت عنى بقاؤها

ولعلمها بان يوسف لم يبق فى الضر ولابوس والمواخذة ولا يقدر احد ان يوذيه ومن يقدر ان يضره ووجهه سالب القلوب وجالب الارواح اغار العالم بعينيه سبى الارواح والاشباح بحسنه وجماله

لها فى طرفها لحظات سحر تحيت بها وتحيى من تريد

وتسبى العالمين بمقلتيها وتعللت فى كلامها حيث قالت { إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ذكرت حديث السجن ثم ذكر العذاب الاليم تقيا للتهمة عن نفسها حتى لا يعرف زوجها شانها وعلتها وحيلتها وايضا ذك رالشجن والتاديب والتعذيب لئلا يبادر بشئ اخراه يوهم بقتل يوسف كانت زليخا متمكنة فى عشق يوسف فتصرفت فى حالها بنعت الاستقامة ولو كانت فى فوز عشقها ما اوقعت الجرم على يوسف لان المهتدى لم يعرف فى بدايته مال الاشياء ولم يبال بها فحكم بحكم الوقت ولم يبال بقتل نفسه وقوف معشوقه منه حتى ان لو كان الجرم لمعشوقه لا وقع على نفسه قال ابن عطا وقالت الصدق واثرت نفسه على نفسها فقالت الان حصحص الحق وانا راودته ولما وضعت زليخا الجرم على يوسف { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } كان الكرم والرضا يقتضيان السكوت عن جوابها حتى لا === ويكون الى التسليم وترك التدابير اقرب فى التوحيد افضل حيث اهل الطرف يرون الاشياء على روية مقادير الازلية لكن اعلمهم مكان طهارة النبوة وقدس الرسالة وبيان الحجة لذلك نطق الصبى فى المهد وتشهد بصدقه اظهارا لمعجزته وطهارته عما لا يليق بالانبياء ولطيف الاشارة فيه انها ادعت محبة يوسف وتبرات منها عند نزول البلاء فاراد يوسف ان يلزم عليها ملامة المحبة فان الملامة شعار المحبين فمن لم يكن ملوما فى العشق لم يكن متحققا فى العشق اراد يوسف كونها عاشقا جلد اليزيد عشقا على عشقها لان الملامة للعاشق زيادة ذكر املعشوق فاذا استقامت يزيد حرقة العشاق والهيجان هم الى رؤية المعشوق والخروج من موضع التهمة ودفعها داب المعشوقين ايضا لزيادة عشق العاشقين فلما بات جرمها بالبرهان الواضح قال زوجها { مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } اراد بالكيد ههنا التجمش والفتج والدلال وتقليب طرفهن وكشف === وخضاب اطراف بنائهن ولطافة حركاتهن والقائهن التفاح والسفرجل الى معشوقهن وتزيين لباسهن ولطافة كلامهن وحيث يحتكن بهذه الرعونات على من له لطافة وظرافة ورقة طبع واهلية للعشق فاين ابليس منهن وهو هناك اجيرهن عظم الله كيدهن واضعف كيد الشيطان بقوله ان كيد الشيطان كان ضعيفا سبب ضعف كيد الشيطان ههنا انه قبيح الصورة شنيع المنظر لا يقدر على الرجال الا بالوسوسة وهنا بحسنهن حوليات الشهوات يجرون بها الجبال وقال صلى الله عليه وسلم ما تركت من بعدى فتنة اضر على الرجال من النساء قوله عليه السلام النساء حبائل الشيطان اى اعظم معاملة ابليس النساء بالرجال اطلق حبال ذكرهن من الف فرسخ يقيد بها اعناق الرجال ولولاهن === الملعون من وساوس الخلق فان اعظم الفتنة فى العالم النساء وقد سمى كيدهن عظيما وذالك الكيد قيدهن الرجال بلطائف ما ذكرنا من شمائلهن وذلك من اصل وهوان حسنهن وجمالهن وظرافتهن من حسن فعل الله فى وجوههن وذلك الفعل مرآة تجلى حسن الازل لذلك سماه عظيما وهذا اشارة لا يعرفها الا صاحب واقعة واين الابله والغبى والبليد من فهم هذه المعنى قال بعض الحكماء انا اخاف من النساء اكثر مما اخاف من الشيطان لان الله يقول ان كيد الشيطان كان ضعيفا وقال للنساء ان كيدكن عظيم وقال الشبلى ان كيدكن عظيم على من لم يصحبه من ربه بتوفيق الرعاية فلما من كان بعين الحق كيف يلحقه كيد كايد فلما فشى الخبر وكثرت الملامة وسمعت نساء البلد هاجت سرهن لان ازواجهن كانت متالفة بروح زليخا وهن جميعا مع روح يوسف فتقاضى سرهن حقائق الخبر وتفتيش الامر ليذقن ما ذاقت زليخا فاحتلن وقلن ذكر ملامتها بقوله سبحانه { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } ذكرهن لملامة اشتهاءهن رؤية يوسف وحكمن بحكم الفراسة ان حب يوسف بلغ حبة قلبها وصورة شغاف القلب سجف لطيف رفيق وبراءةُ عالم الكثافة وبعده عالم اللطافة مقام النفس والهوى والوسواس والاخر مقام العقل والروح والملك ومقام الكثافة مقام شهوة الانسانى ومقام اللطافة مقام شهوة الروحانى وليس فى الروحانى علة الهوة والنفس والشيطان فاذا وصل الحب الى منظر الروح واتصل بروح الروح بلغ الى عالم الرحمانى فاذا تمكن الحب هناك تخلص من الوسائط وصار حب الله فكل محبة وصلت الى هنا فقد وصلت شغاف القلبو اتصلت بمحبة الله كانهن === محبة يوسف وصلت فى قلبها الى محبة الله وهناك استغراق الحب حيث بقيت الاشباح فى سورة الوسايط بمحتبها وبقيت الارواح فى مشاهدة الحق للارواح قرار والاشباح قرار وهذا وصفهن زليخا بهذه الصفة بقوله { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } اى فى غيبوبة من استغراق الحق وتمكين العشق بحيث لا تخاف من الملامة ولا تلتفت الى السلامة ويمكن ان اشارتهن الى ضلالها الى انها ارادت من يوسف وحبه ان يكون يوسف من غاية حبها صورة وروحا اتحادا فهن فى منزل العقل والعلم يقين من مباشرة الجمال يعلموا ان ذلك مستحيل من حيث العقل لا من حيث العشق ومباشرة الحال قال الجنيد وسئل ما علامة المحبة قال ذكر الله فى كتابه قد شغفها حبا قال ان لا يرى جفاء الحبيب له جفاء بل يرى جفاء الحبيب له وفاء قال سمنون الشغاف فى المحبة امتلاء القلب منه حتى لا يكون لشئ غيره فيه مكان قال الشبلى الشغاف نهاية العشق وقال بعضهم الشغاف فى المحبة حال الخمود حين لا عبارة عما به ولا اخبار كما قال الله ويضيق صدرى ولا ينطلق لسانى وقال السرى ادهلها حبه حتى لم تكن تعرف سواه ولم يكن للملامة عليه من الغير اثر وذلك صدق المحبة وقال جعفر الشغاف مثل الغيم اظلم قلبه عن التفكر فى غيره والاشتغال بسواه وقال ابن عطا فى قوله انا لنرها فى ضلال مبين اى فى وجد ظاهر ومحبة بينة وشوق مزعج سئل جعفر بن محمد من العشق فقال ضلال ثم قرأنا لنراها فى ضلال مبين قال معناه فى عشق ظاهر وقال بعضهم فى غلبة من العشق ضل فيه عقلها وبصيرتها فلم يبق عليها محل الكتمان من غلبة الشوق للما وصلها خير ملامة النسوة واحتيالهن فى طلبهن رؤية معشوقها بلطف المكر ارادت ان يلقيهن فى بحر البلاء الذى لا ينجوا منه احد.