خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
١٥
-الرعد

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } دعوته الحق مساواته فى الازل بنعت محبته وشوقه الى ارواح المحبين والعارفين فاستجابته باجابة المحبة والشوق اليه وايضا له دعوة الحق على لسان الصديقين يدعون بها المسترشدين الى مشاهدة جماله حين وصفوا جلاله وجماله ليبدوا فى قلوبهم اثار محبته وهذه الدعوة سالمة من معاينة الهلاك وما سواها من الدعوة فهو دعوة صاحب النفس والجهل من راس الرياء والسمعة لا يقضى الا الى الاحتجاب والعمة عن طريق الصواب قال الله { وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } اى وما دعاء المرايين من اصحاب النفوس والهوى الا فى ضلال عن طريق الحق ولاخلاص قال ابن عطا اصدق الدعاوى دعاوى الحق فمن اجاب داعى الحق بلغه الى الحق ومن اجاب داعى النفس محبه الى الهلاك قال بعضهم داعى الحق من يدعوا بالحق الى الحق وقال جعفر من دعى نفسه فانى نفسه داعى وهو الكفر والضلال وذلك محلا الخيانة والاسقاط من درجات من اهل المانة فان الدواع يختلف داعى بالحق وداعى الى الحق وداعى الى طريق الحق كل هؤلاء دعاة يدعون الخلق الى هذه الطريق لا بانفسهم فهذه طرق الحق وداعى يدعوا بنفسه فالى اى شئ دعى فهو ضلال وقال الاستاد دواعى الحق صارحة فى القلوب من حيث البرهان فتدعوا العبد بلسان الخواطر فمن استمع اليها بسمع التفهم استجاب ببيان العلم وفى مقابلتها دواع الشيطان وهى موبقة للعبد تتزين المعاصى فمن اصغى اليها بسمع الغفلة استجاب بصوت الغى ومعها دواعى النفس وهى فائدة للعبد بزمام الحظوظ ومن ركن اليها ولاحظها وقع فى هوان الحجاب ومن الدواعى دواعى الحق بلا واسطة ملك ولا بدلالة عقل ولا باشارة علم فمن اسمعه الحق ذلك استجاب لا محالة بالله لله وقال فى قوله وما دعاء الكافرين الا فى ضلال هواجس النفس ودواعيها تدعوا الى ما فى الطريقة شرك وذلك شهود شئ منك وحسبان امر وتعريج فى اوطان الفرق والعمة عن حقائق عين الجمع وقد وقع لى فى زمان الصبى من هذا القبيل فى دواعى التى كلمات مسطورة وذلك ما تفحصت اسرار الخواطر فوجدت دواعى اللطف والقهر من الحضرة على سبعة انواع دعوة الحق خاصة بلا واسطة ودعوة لمة الملك ودعوة الروح ودعوة العقل ودعوة القلب ومن قبيل قهره دعوة النفس والشيطان والان اتمم عشرة الثلثة الزيادة اثنان من قبيل اللطف والواحد من قبيل القهر والاثنان لسان السر ولسان اسرار السر والواحد لسان الفطرة الطبيعة واما دواعى القهريات واولها دواعى الشيطان وعلامتها === وهيجان النفس والطبيعة واحتراق فحل الصدور غمة فى القلب وغبار فى عين الروح معلمة فى النفس وانجذاب فى الطبيعة الى طلب حظوظ الشهواتى واكثر ما يلقى الوسواس ما يفضى الى الكفر والكبائر فمن === تزندق وهلك فى اودية التشبيه والعطيل والاهواء المختلفة والثانى هواجس النفس الامارة تدعوا صاحبها الى الوان الشهوات وحظوظها واشهارات السوء والفحشاء وجميع الاخلاق المذمومة وربما تدعوا النفس والشيطان صاحبهما بلسان السلم الى عمالك الرياء والسمعة وقليل من يعرف ذلك المكر والخديعة فمن اجابها صار مرتهنا بالبطالة والكسالة والقساوة ويكون محجوبا عن حسن الارادة والصحبة والثالث داعى الفطرة الطبيعة وذلك سر عجيب هو تحرك الفطرة المخمرة باستعداد قبول الشهوة الخفية التى فى مكامن غيب القلب وهو يكون بعد ان يحركها سر القمص الى طلب ما لق لها من لذائذ ميلها وحركتها الى ما يقوى به من الصفات البشرية والشهوة وذلك الشهوة الشهوة الحقية التى اضمرتها الفطرة الطبيعة وتلك ما استغاث منها النبى صلى الله عليه وسلم وقال اخوف ما اخاف عليكم الشهوة الخفية ومن اجابها بعد حركتها دعوتها صار محجوبا عن روح الذكر وانوار الفكر والسبعة التى من دواع اللطف اولها دواعى القلب وهو امر منه لصاحبه بترك الاشتغال لتزكية الاعمال ووقوع صفاء الاذكار لوجدان طمانينته ولذة اليقين قال تعالى الا بذكر الله تطمئن القلوب فمن اجابها بنعت المراقبة وتقديس الخواطر يذوق طعم صفاء العبادة ويجد روح الملكوت ونفحة الجبروت والثانى داعى العقل وهوان يدعوا صاحبه الى تزكية النفس ومجاهدتها ورياضتها وفنون الطاعات والخلوات فمن اجابه وصل الى انوار المراقبات والمحاضرات والثالث داعى الروح وهو ان يدعو صاحبها الى الحوض فى تفكر الغيوب وطلب اسرارها وطلب رؤية انوار الملكوت واستماع اصوات الجبروت وطلب كشف هلال المشاهدة فى المحاضرة وسقى شراب المحبة بكؤوس الشوق فمن اجابها بنعت خروجها من اوصاف البشرية وتحليه بالمحلية الروحانية و اسقاط علل الانسانية يجد حلاوة بروق التجلى من مرآة الايقان والعرفان والرابع داعى الملك وهو الهامه بامر الله سبحانه يلهمه بعلم يفرق به بين الحق والباطل من خطوات اللطيفة والقهرية وما يؤول عاقبته متابعة الكتاب والسنة فمن اجابه يقع فى بحر الحكمة ويستخرج منها جواهر علوم الالهية والخامس لسان داعى السر وهوان يدعو الى تجريد الهمة من الاكوان والحدثان فمن اجابه يصل الى كشف مشاهدة الزمن ويرى بنور تجليه عجائب اسرار المعرفة فى خزائن الربوبية والسادس لسان داعى السرور وهو لسان النور يناديه من وراء غيب الغيب الى افراد القدم عن الحدوث والانخلاع عن الوجود والانسلاخ من جلد العبودية و الاتصاف بصفات الربوبية فمن اجابه يصل الى مطالعة مشارق انوار تجلى الصفات والذات و السابع داعة الحق بنفسه بلا واسطة هو ثلث مراتب المرتبة الاولى مناداته بلسان الافعال الخاصة ودماؤه به الى مشاهدة الصفات فى الفعل وهو مقام مشاهدة الالتباس فمن اجابه يقع فى بحر العشق الذى يعرفه بامواج اللطف حيث يدفعه بلطائف الالتباس ولا يبقيه فيه بل يخرجه الى معادن الصرف ويريه بعض احكام الصفة لا على حد الكمال المرتبة === داعى الصفات وذلك يدعوه الى النظر الى علوم اقمار الصفات من مشارق الذات === عن كل صفته == من عين كل سنة شرابا ليكون كاملا فى حمل موارد انوار الذات فمن اجابه يقع فى نور السماء والتعرف فيطير بجانحه من انوار الصفات الى سبحات الذات فيكون فى مشاهدتها عارفا بصفة القدم المرتبة الثالثة داعى الذات وذلك كلام الصرف المقرون خطابه بكشف الحقيقة من عين الذات يدعوه الى الفناء فى كنه القدم وازلية الذات وابديته فمن اجاب سره وسر سره الى ذلك يقع فى بحر طوالع شموس القدم وقدم القدم واقمار الابد وابد الابد وينكشف له العين وعين العين وعجب العجب وغيب غيب الذات فيصير متصافا بالذات والصفات بعد فنائه فى الذات والصفات بنطقه بعد ذلك نطق الازل وسمعه سمع الازل وعينه عين الازل ويده يد القدرة بقوله بعد خروج هذا العبد من رسوم العبودية الى جلال الربوبية كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا فيؤيده بجوده وجلال وجوده الى معرفة نفسه بنفسه ثم يعرف نفس العبد للعبد فيعرف الحق بالحق ويعرف نفسه الحق بعد نسيان نفسه فى الحق وهذا معنى قوله من عرف نفسه فقد عرف ربه ثم وصف نفسه تعالى باذعان الوجود بنعت التلاشى بين يدى كبرياءه بقوله { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } يسجد له اهل الملكوت بعد ان شاهدوا عظمته خوفا واجلالا ويسجدوا له الادميون والجن بعد ان شاهدوا انوار ربوبيته فمنهم من سجد طوعا لما كوشف له من انوار جماله تعالى فيسجد ويخضع محبة وشوقا وعشقا ومعرفة وتوحيدا ومنهم من سجد له كرها فى مقام المجاهدة وتكليف العبودية والمتابعة كرها لما لم يكشف له دواعى العشق والمحبة والشوق من الحق ومن اللطف معائنة ان العشاق والمحبين يسجدون له طوعا لانهم فى محل العبودية من العشق والمحبة وان اهل الكمال من العارفين والموحدين يسجدون له كرها لانه فى مقام شهود الربوبية وهم فى الحالين هناك فى كرههم فى السجود له احدهما ان بعضهم عاينوا عين القدم وجلال الازل والابد ولا يرون سجود الحدثان يليق بعزة الرحمان بل يرون الحدثان متلايشا فى اول بديهة سطوة جلاله واين الخلق والخليقة من خدمته وهو بعزته اعز من ان يقرب اليه احدا بسجوده له والثانى ان بعضهم شربوا فى بحار الازلية شربات الانصاف والاتحاد ولكن لم يكونوا كاملين فى مقام الانفراد والاتحاد بالربوبية فيسجدون له كرها فان العبودية شرك فى الربوبية ومن كمل منهم لا يكون حاله حال العبودية بل حاله حال الربوبية من استغراقه فى حديثه وليس هناك للعبودية اثر وسكون التوحيد ينسلخ عند علة الحدثان فالعبودية على من هو سكران غائب بل فان عن الوجود فى الوجود وايضا الانسان عالم الصغير بالصورة وعالم الكبير بالمعنى فصورته من اعلاها السماوات ومن اسفلها الارض ومن فى السماوات والارض الروح والعقل والقلب والنفس وجنودهم فيسجد الارواح طوعا عند كشف الجمال روحا وانسا تسجد القلوب طوعا عند كشف الجلال اجلالا وتحظيما ويسجد العقول طوعا عند كشف الالاء وانوار الافعال ذكرا وفكرا واعتبارا وتسجد النفوس كرها عند كشف انوار الجبارية والقهارية خوفا وخشية وذلك لانها خلقت ايده بما فيها من نظر القهر ونكرته ويسجد ظلال الارواح والعقول والقلوب وهى الاسوار الممكنة التى جعلها الله مرآة لحقائق العرفان فيسجد الاسرار التى هى ظلالها عند طلوع شمس الالوهية من مشرق الازلية وغروبها فى مغرب الابدية معرفة وتوحيدا وفانء فى بقائه واضمحلالا فى قدمه وتسجد ظلال النفوس وهى هوها راغمت عند طلوع شموس القهريات كرها لكره النفوس استسلاما وانقيادا على جناب الربوبية قال الجنيد العارف طوعا والمعرض كرها وقال اذا نزلت به المصائب ذل واذا جاء به الرخاء بل قيل السجود على قسمين ساجد بنفسه وساجد بقلبه فسجود النفس معهود وسجود القلب من حيث الوجود وفرق بين من يكون بنفسه ساجدا وبين من يكون بقلبه واجدا فاغرهم من جمع بين الوصفين فيكون ساجدا بنفسه وواجدا بقلبه.