خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ
٩
سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ
١٠
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
١١
-الرعد

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } هذا تصديق ما ذكرنا فى قوله وكل شئ عنده بمقدار لانه كان عالما قبل كون المقدور بالمقدور الغيبى وعالما بعد كون المقدور حين يبدوا فى عالم الملك والشهادة وايضا عالم ما فى اسرار الارفين من عجائب كشوف انوار عزته والتهاب فوادهم من الاشتياق الى جماله وعالم بشهادة شهودهم فى حضرته بوصف الزفرات والتاوه والعبرات الكبير من ان يدرك الابصار المقالى تعالى كبرياءه من ان يبقى عند سلطان كبريائه اثار الاغيار بقوله كل شئ هالك الا وجهه قال ابن عطا العالم على الحقيقة من يكون الشاهد والغائب عنده سواء بالعلم لا بان يستدل والعالم على الحقيقة هو الحق جل وعلا الكبير فى ذاته المتعال فى صفاته وقال جعفر كبر فى قلوب العارفين محله فصغر عندهم كل ما سواه تعالى ان تقرب اليه الا بصرف كرمه ثم وصف احاطته على كل الضمائر وغيب الخواطر وما يجرى على الظواهر بقوله { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } اى من كتم دقائق حقائق المعرفة واسرار لطائف الحكمة فى قلبه ولم يتلفظها بلسانه من تمكينه وزيادة معرفته ومن جهر به بان يتكلم عن راس سكره وهيجانه ويخبر بغيب ما غاب عن المريدين ويشاهد خلوة الليالى حيث ينكشف انوار النزول لنظار الملكوت وظلاب انوار الجبروت او يستر حاله فى ليل الملامة اذ يظهر ما وجد فى الخلوة فى النهار عند الابرار او يخفى كلام المعارف فى شرب الاسرار عن نظر الاغيار فانه تعالى لا يخفى عليه فرط خاطر المتكلم وهدو سره من هيجان التلوين او احتفاؤه بنعت الصدق ولاخلاص وظهوره بوصف غلبة الوجد والحال فيقبل منه ما بدأ منه ويزيد عليه انعامه واكرامه فانه تعالى حافظ اوليائه حيث حازهم فى حيز حفظه ورعايته وانوار بهائه حتى يكون مستغرقا فى نوره محفوظا بعيون الطافه بقوله { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } قال النصرابادى فى قوله سواء منكم من اسر ما اودعنا فيه من لطائف بزنا وكتمه اشفاقا عليه واظهره ونادى عليه سرورا به ومحبته له فانهما جميعا من اهل الامانة فى محل الحقيقة اما المعقبات من بين يديه ومن خلفه فالاشارة اليهما ان انوار اصطفائيته الازلية معقبات من خلفه وانوار العناية الابدية معقبات من بين يديه تحيطه وتحفظه جميعا من امر الله اى من امتحانه فى زمان العبودية وذلك قهره الذى يطارق العبد العارف كل وقت غيرة منه عليه فيكسره عساكر حسن عنايته القديم وجنود انوار لطائف الاصطفائية حتى لا يضربه القهر ويكون محروسا باللطف وذلك قوله سبحانه يحفظونه من امر الله وتصديق ذلك قوله سبقت رحمتى غضبى فسوابق رحمته تحفظه من غضبه قال بعضهم المحفوظ بالاسباب محفوظ بالمسبب وامره فالعلاماء راوا السبب والعارفون راوا المسبب قال الله له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال ابن عطا الاسباب تحفظك من امره فاذا جاء القضا خلى بينك وبينه كيف يكون محفوظا من هو محفوظ من حافظه والمحفوظ على الحقيقة من هو محفوظ بالحافظ لا محفوظ من الحافظ قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } ولله سبحانه المشية السابقة وامر الامتحان فاما امر المشية قائم بارادته لا بتغير من شتان المشقة ولم يكن ذلك ملحقا بالاسباب وامر الامتحان ملحق باسباب العبودية ويكون العبد معانا بالقدرة القديمة من المشية السابقة عليه ومامور بالتصرف فيه فاذا تحول فيه سر القدر يتغير الحال فتغير ما به بقوة القدر فيتغير الحق سبحانه عليه ما يغير بنفسه من جهوة القدر وقوته مجاز اتحاد وكيف يكون العبد فى القدرتين والمشيئين =====الحق سبحانه على غرف الاسباب لادراك فهوم الخلق ونظام العبودية فاذا ادمى المريد فوق حاله بما ادعى === ويشد عليه موارد القربة ويبقى فى الامتحان والفرقة قال جعفر صادق لا يرفقهم لتغيير اسرارهم ولا يغير === ولو وفقهم لتغيير الاسرار ومشاهدة البلوى لذلوا وافتقروا فقالوا به النجاة وقال النصرابادى لكل ثوم تغيير وتبديل ولكن لا يناقش العوام فى التغيير والتبديل بل مثل ما يناقش عليه اهل الصفوة قال بعضهم غيروا السنتهم هم جقائق ذكره فغير قلوبهم عن لطائف بره وغيروا انفسهم عن معانى العبودية فغير قلوبهم عن دلائل الربوبية قال الواسطى حذرهم ما نزل بهم ان تغييرهم نعمة الله على انفسهم وذلك من خذلان الله لهم فيزيد الله عليهم التغيير كما قال فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال بعضهم ان الله لا يحرم عبيده نعمة الا اذ قصّروا فى شكره او نسوه ولى قول اخر ان القوم لما امتحنوا وبقوا فى امتحانهم ولم يلتجئوا الى الحق بنعت التضرع والتواضع والافتقار ولم يغيروا موضع تقصير فى رغوبتهم فى الامتحان فاهملهم الله والقاهم فيما هم فيه ولو خضعوا له ازال عنهم العلة والامتحان واعوضهم النعمة مكان البلاء قوله تعالى { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } نبه سر الآية ان جمهور السالكين لا ينجوا من محل امتحانه فازم عليهم نعمت القهر كما الزم عليهم نعت اللطف ولا ينفك عنهم نعت القهر ما داموا فى العبودية كما لا ينفك عنهم نعت اللطف وذلك تربية منه لهم ولا ينفك عنهم وان تضرعوا وخصوا وسالوا زوال ذاك لكن يسهل عليهم جريان اقدار القهر فهو المجرى عليهم وهو المستهل عليهم وذلك قوله فلا مرد له وما لهم من دونه من وال قال القاسم اذا اراد الله هلاك قوم حسن فى اعينهم واراد الهلاك حتى يمشون اليها بارجلهم وتدبيرهم وهو الذى اتى بهم.