ان الله سبحانه كان موصوفا فى الازل بالقهر واللطف وللصفتين منه تواثير فى تجليها عين القدم الى العدم فتجلى بلطفه من انوار لطفه الى العدم فاظهر بنور لطفه التراب والماء وجعلها اصلا فى مواليد الانسان وتجلى بقهره للعدم فاوجد من تجليه النار وجعلها اصلا لمواليد الجن والجان فخلق من الماء والطين آدم وذريته وجميع معاشهم من الماء والطين اللذين اصلهما من تجلى نور لطفه وخلق الجن وابليس من النار التى هى من تاثير قهره فوقع المخالفة بين الجان والانسان كما وقعت المخالفة بين الماء والطين والنار فخلق الاول الماء والطين من لطفه ثم خلق النار من قهره فسبق الماء والطين على النار لان الماء والطين سبب الرحمة على العباد والنار سبب عذاب العباد لذلك قال سبقت رحمتى غضبى فتبين فضل الماء والطين وتقدمهما على النار فاذا كان الماء والطين بهذه المثابة خلق سبحانه بلطفه آدم وذريته من الماء والطين وخلق ابليس وذريته من النار واذا اراد سبحانه فى الاول خلق الانسان خلق دُرّة بيضاء فتجلى لها بجميع صفاته وذاته فذابت تلك الدرة من صولة تجلى ذاته وصفاته وصارت ماءً زلالاً نورانيا جلاليا جماليا فاثر فيها بركة تجلى ذاته وصفاته فتلاطم بعضه بعضا والقى فوق الماء زبدة من نفسه فصارت تلك الزبدة طينا فخلق سبحانه من تلك الزبدة الارض ودار ذلك الماء حول الارض ودخل فى بطنها ثم خلق منها ادم وكان مما خلق آدم منها طينا لزجا بما فيها من ذلك الماء فيبس الماء فى نفسه بتاثير شعاع تجلى العظمة فخلق آدم منه لذلك قال خلقنا الانسان من صلصال من حماء مسنون فاذا اراد خلق آدم سلط على ترابه ومائه سطوات تجلى قدمه وبقائه فخمرها بتجلى القدم والبقاء الذين كنى عنهما باليدين بقوله خلقت بيدى يد القدم ويد البقاء اربعين صباحا كل صبح منها صبح كشف الف صفة فخمرها اربعين صباحا بتجلى كشف اربعين الف صفة من صفاته وجعل صورة آدم وطينته مساقط انوار تجلى صفاته فلما كملت صورته طرحها بين العرش والكرسى ثمانين الف سنة من سنى الآخرة ورباها بافانين كرامات تجليه وهو سبحانه خلق روحه قبل صورته وصورة الكون بالفى الف عام من اعوام الاخرة قال عليه السلام خلق الله الارواح قبل الاجساد بالفى الف عام وكان خلق روحه من تاثير تجلى ذاته فكملها ايضا بتجلى جميع صفاته فحبسها فى حجال غيب الغيب وغيب غيب الغيب وسترها بقباب غيرته من اعين الملائكة ثم البس طينتها وصورتها لباس الغيرة فنظرت الملائكة الى صورة آدم فاصغرتها من قلة عرفانهم بجلال قدرها واعمى الله ابليس عن رؤمة ما فى صورة آدم حتى تفاخر عليها فلما اراد سبحانه اظهار صنيعه فى ملكه وملكوته وجلال صفيه الموجود جاء بروحه التى انقدحت من زنود تجلى الذات والصفات بقوله ونفخت فيه من روحى وادخلها بنفخة المنزه عن همهمة الانفاس الحدثانية فى صورته فقام باذن الله ملتبسا بنور الصفات والذات وجلس على بساط ملك بقائه فصار مختارا من بين الفريقين الجن و الملائكة بالقرب والوصال وكشف الجمال والجلال والعلم والكمال فبان خيريته من الملائكة ايضا لان الملائكة خلقت بامر واحد وكان آدم عليه السلام خلق بتجلى الذات والصفات فشتان بين آدم وذريته وبين الملائكة وبينه وبين ابليس وجنوده قال بعضهم الاشباح من دولة قيمتها لان اخرجت من تحت ذل كن واظهرت من الصلصال والحما المسنون قال الاستاد ذكرهم نسبتهم لئلا يعجبوا بحالتهم ويقال القيمة لهم بالتربية لا بالتربة النسب قربة ولكن التعب قربة ثم اخبر سبحانه الملائكة بخلق آدم بقوله { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } اخباره لهم من خلق آدم افتتاحه لهم ابواب خزائن ملكوت الاصغر ليريهم ما فى عالم الكبير وما فيه اياهم فى عالم الصغير وهو الانسان ليشاهدوا عجائب صنعه وقدرته ويروا فيها جمال جلاله لان آدم كان مرآة الحق فى العالم من يراه يرى آثار الله فيه قال جعفر امتحنهم ليحثهم على طلب الاستفهام فيزدادوا علما بعجائب قدرته ويتلاشى عنهم نفوسهم ثم اعلم الملائكة محل جوده ولطائف وجوده فى آدم ليروا آيات بهائه وتخضعوا لجلاله بقوله { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } اعلمنا ان مزية آدم على الكل بتشريف تسويته ونفخه روحه فيه وانكان شريفا فى اصل فطرة طينه شرفه كان بالله ومباشرة انوار ذاته وصفاته فيه ثم اعلمهم انه اذا سواه بان البسه انوار جميع صفاته ونفخ فيه روح تجلى جلال ذاته المنزه عن الحلول والاجتماع والافتراق فيصير قبلة الله فى بلاده وعباده فاذا ظهر لكم فاسجدوا له عند معاينتكم انوار قدرتى وعجائب لطفى قال ابو عثمان اذا خصصته باظهار النعت عليه من خصائص === وبيان التسوية فدعوا مجادلتكم وارجعوا الى حد القهروالتعبد له قال الواسطى لما نفخ الروح فى آدم جعل معرفتها معرفة الحق اياها وعلمها علم الحق بها قصودها مرارات باها على محابها فلما احتجب الملائكة بالصورة الصلصالية والرسوم الشجية عن جمال روحه وما صنع الله بعزته وصمديته وجلال جميع صورته وذاته فى تسويته وصغرته حين لم يشاهدوا عين الجبروت والملكوت فيه ولم يروا صور حقائق اللاهوتية فى مرآة الناسوتية والحتجوا وجادلوا بقوله اتجعل فيها من يفسد فيها ترحم عليهم الحق سبحانه بان رفع حجاب الغيرة عن وجه آدم دلالة منه لهم به اليه ليعرفوا ذلهم وعزه فلهما === والصفات وسنا سبحات الذات فى وجهه وراوه ملتبسا بنوره ونور نوره وما عليه من كسوة ربوبيته فتاهت قلوبهم وفنيت عقولهم من صولة جلاله وخروا له ساجدين من شدة حبهم له وشوقهم اليه وتصافرت نفوسهم بين يديه وذلك قوله سبحانه { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } سجودهم لما بدا من آدم من نور الحق فسجدوا له لا له بالحقيقة بل سجدوا للازلى الابدى المنزه عن اشارة الزائغين وتهمة المبطلين واوهام الغالطين ولم ير ابليس ما رأت الملائكة لانه كان من عالم القهر محجوبا بالقهر عن رؤية جمال الحق فى آدم بقوله { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } ولو ادركه بتلك الصفة سجد له فى كل لمحة الف مرة
لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعا وسجودا
قال بعضهم ابصر الملائكة من آدم هيكله وشخصه ولم يشاهدوا اضافة الروح اليه واختصاص الخلقة به واستقامة التسوية وتعليم الاسماء والاشراف على الغيب فنكلوا على السجود فلما اظهر الحق تعالى هذه الخصائص سجدوا له وقالوا سبحانك انت تخص من تشاء من عبادك بخصائص الولاية وتنعية بنعوت الربانية وتجريه الى بساط القربة وانت الفعال لما تريد قال الواسطى الفرق بين روح آدم وبين الاشياء كلها تسوية الخلقة وتخصيص الاضافة فقربت من الله وعرفته ومكّنها من حكمها فغنت وغنمت ورجعت اليه بالاشارة وقطعت عنه العبارة وذلك كله من عجز الفخر اذ لم يلبسها ذل القهر فزينها بخلقه فتخلقت بخلقه وتادبت بصفته فكانت تنطق وباشارته تعقل وهذا تفسير قوله فاذا سويته ونفخت فيه من روحى قال ابو عثمان فتح الله اعين الملائكة بخصائص آدم واعمى عين ابليس عن ذلك فرجعت الملائكة الى الاعتذار وقام ابليس على منهج الاحتجاج بقوله انا خير منه قال ابو الحسين نظر الملائكة الى الروح والى ما خص الله به آدم من القربة والكرامة فانقادوا لامره سبحانه وسجدوا له وابى ابليس واستكبر لانه كان فى عبادته اسوء حالا منه فى اياته فانه ما عبد الله قط وانما كان يعبد نفسه وهواه ثم غيّر الحق سبحانه ابليس حيث لم يسجد له مع الملائكة بقوله { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } اى مالك ان لا تكون من المشاهدين شهودى بوصف كشف جماله وجلاله مع دعواك معرفتى وعبوديتى فان من لوازم المعرفة والعبودية والعلم بالربوبية عليك ان ترانى بوصف الربوبية فى العبودية وان تعرفنى بامرى ما وراء امرى من اسرار علمى وظهورى فى لباس قدرتى ثم اخبر عن جوابه وجرأته بالكلام فى حضرة القديم وموازاة كبرياء الازلى بكبرياء نفسه بقوله { لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } غلط الملعون فى دعواه بخالص العبودية والمعرفة بالواحدانية وافراد القدم عن الحدوث لانه ظن ان محض العبودية صورة السجود والركوع ولم يعلم ان متابعة امره === هى خالص العبودية وينبغى ان يتابع امر معبوده ولم امر بشد الزناد مثلا ولا يبالى بان يشد على === لان العاشق الصادق ياخذ امر معشوقه ولا يخالطه فى جميع مراده ولو كان مشفقا على محبتة === عبادته له فاذا رد قوله ونازع ارادته كيف له شفقة على محبوبه يا ليت لو ارى فى مكان === فان آدم كان قبلة الظاهر كالكعبة ولا يقع السجود الا فى مشاهد الربوبية لانه تعالى هو اهله لا === مقام الامتحان وظن الملعون انه مستحكم فى توحيده حيث لم يسجد لغيره وهناك لا غير لان فى حقيقة === ما هو الا هو ولو كان نظره صحيحا لم يلتفت الى الوسائط لان فى عين الجمع الدليل والمدلول واحد من حيث ==== لا من حيث الرسوم فيبقى الملعون جاهلا عن معرفته عين الجمع وقد غلط ايضا فى افراده عن الحدوث لانه كان محجوبا بنظرين نظرا الى آدم ونظر الى نفسه فاما نظره الى آدم قوله لم اكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال واما نظره الى نفسه قوله انا خير منه ولو كان صحيح القول فى نظره الى عين الوحدانية يسقط عند رؤية الغير فى البين ظن انه عالم بالله وقد وصل الى عين الحقيقة ولم يعرف انه ما وصل الى ادنى المقامات ولو كان فى محل التحقيق ما احاله الحق الى خدمة حادث من الحدثان عرفه الحق انه لم يكن ايضا مبتديا من اهل الارادة فى اول درجات العبودية ولو كان صادقا فى ارادته لا كل تراب قدم آدم لان المريد ملهوف واله بارادته ومحبته لمقتداه ولكن ايش ينفعه وهو كان مريدا لا مريدا لانه كان معجبا برائه ناظرا الى نفسه فى ارادته وعبادته فقد حصل له الانكار على مشائخه فى زمانه وسقط من عين الحق وعيون اصفيائه الى مهوات الرياسة والضلالة نعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الضلال بعد الهدى ومن الرياء بعد الاخلاص الا ترى كيف كان حاله الى الابد اذا لم يعرف مكان القرب من مكان البعد وكيف يهيم ويعمه فى وادى الطرد واللعن بقوله { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } رجمت باحجار القهر من مكان اللطف الى معدنه لانه كان فيه عارية قدقصه باللعنة الى يوم الدين وكان فى الازل ملعونا اراد بقوله الى يوم الدين ان اللعن لعنان لعن قديم ولعن جديد فابليس كان موصوفا بهما اللعن القديم سبق ارادة الحق لابعاده عن رحمته وذلك لا يتغير ابد الان القديم هو الباقى وتلك الارادة قائمة به واللعن الجديد زيادة القهر حيث اعطى زمام العصاة الى يده حتى يفعل بهم ما يشاء باذن الله واستكباره عن طاعته وارتكاب معصيته واغواء عباده هو اللعن الجديد الذى هو زيادة البعد وذلك منقطعة يوم الدين حين ارتفعت العبادة والمعصية فيكون موصوفا بما كان موصوفا فى علم القديم الا الابد ويا ليت لو كان رجلا من الرجال ويطلب الحق فى اودية قهره ليرى اشياء من عجائب الربوبية ما يرى الرجال فى معادن اللطف ولكن كيف اقول وانه ليس من دواب الاصطبل عجبت من تحنثه وجهده كيف يمشى خلف بنيات وصيات وجهيلات ويفعل كما يفعلون من خساسة طبعه وكثرة جهله ويستانس بكل مستوحش ويستوحش من كل مستانس وليس هذا من اوصاف الرجال قال الواسطى اللعنة التى لم تزل تستحقه منى وان كانت الاوقات جرت عليك بزينة السعادة ولما سقط من اصله بحسده وعداوة اولياء الله زاد حسده واستنظر بقوله { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } اراد بذلك ايذاءهم والقاء نيران ضلاله الى عباد الله وظن من جهله بالله انه يسبق القدر المعلوم حتى لا يموت كما يموت الخلق فرد عليه الحق بقوله { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } اى تموت كما يموت الخلق بالنفخة الاولى واراد الملعون ان يتشقى على آدم وذريته بعد موتهم ويسخر منهم بما فيه من الحسد عليهم فالقى الله سبحانه رعام الحسرة على انفه قال فانّك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم ثم ذهب الملعون الى طلب الحيلة فى اغواء بنى آدم وخرج بالجرأة فى المخاطبة فى الحضرة بما اخبر الحق منه بقوله { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } وذلك دعوى الاتصاف بالقدرة فى عالم القصر اى بما البستنى من لباس قهرك وغوائك اياى لاغوينهم لا بقدرة نفسى تكلم من التوحيد بغير اختياره وعلم ان اللطف من الحق سبحانه ورحمته سابقتان على قهر وغضبه فاستدرك واستثنى اهل اللطف والرضوان الذى اصطفاهم الله بولايته وطهر اسرارهم عن دنس الرياء والشرك بماء بحر اخلاصه وتوحيده فقال { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } وبانه رآهم خارجين من تحت اديان قهر القدم الى ساحة كبرياء لطف الابد وذلك ما قال عقيب الاية ان عبادى ليس لك عليهم سلطان اى انهم ملتبسون بانوار قدسى المجالسون معى فى مجالس انسى اخترتهم لنفسى وهم مواطن سرى وهم سكان اماكن غيبى البستهم انوار صفاتى وسنا بهاء ذاتى ابدانهم فى بحار عبوديتى مستغرقة وقلوبهم فى مجار شوقى ومحبتى مستغرقة وارواحهم فى هواء هويتى هائمة واسرارهم فى اودية اسرارى تايهة آويتهم بى الىّ من بهرى تقدر ان تسلط عليهم وان كان معك راية قهرى فانهم فى ساحة لطفى معصومون من قهرى فان سلطنتك تكون على من تبعك من المغوين باغوائى اياهم وقهرى عليهم وافهم يا غافل ان الله وصف المخلصين من عباده بانهم معصومون من شر ابليس بنور اخلاصهم وذلك النور نور التوحيد ونور التوحيد من كشف نور الموحد ينكشف حين زند الملعون مقدحة الوسواس فى صدورهم لوقوع نيران الرياء والشرك فيغلب نوره على ناره فيذهب النار وبقى فيهم النور وانقطع سلطنة الملعون عنهم لانهم بعين رعايته الازل محفوظون عن الخطرات قال رجل ليحيى بن معاذ بماذا اكرم الله عباده المخلصين قال بالايمان بالغيب والمشاهدة قال ذو النون الناس كلهم موتى الا العلماء والعلماء كلهم ينام الا العاملون والعاملون كلهم مغترون الا الخادمون والمخلصون على خطر عظيم وقال النصرابادى المخلص على خطر من اخلاصه لانه باياه والمخلص يجاز حد لخطر لانه لابه وقال بعضهم فى قوله ان عبادى ليس لك عليهم سلطان اى الذين اوصلتهم الى قربى من غير كلفة ولا سابقة وافنيتهم عن اوصافهم وزينتهم باظهار صفاتى عليهم فهم مع الخلق بالهياكل ومعى بالارواح والسرائر لا عليهم من الخلق اثر ولا لهم مما هم فيه خبر اولئك هم عبادى حقا ليس لهم مطلب سواى ولا مرجع الا الىّ هم هم بل انا هم بل انا انا ولا هم هم ولا صفة لهم ولا اخبار عنهم لنفائهم عنهم وبقائهم بى وعن على بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر الصادق عليهم السلام فى قوله عباد الرحمن قال جملة الخلق من جهة الخلقة لا من جهته المعرفة وعبادى تخصيص فى العبودية والمعرفة قال ابن عطا المخلص من اخلص من روية نفسه ومشاهدة افعاله واستقام مع الله تعالى فى كل احواله فلا يتقدم الا بامره ولا يتاخر الا بحكمه وقال جعفر من الله بهذه الاية ان ليس للشيطان على عباده المخلصين سبيل وللمخلصين درجات من قبل المجاهدات والمشاهدات فمن اخلص فى عمله فهو مخلص ومن اخلص بقلبه فهو مخلص ومن اخلص سريرته وعلانيته لله فهو مخلص ومن اخلص روحه نال الاستقامة بالله والوصول الى قربة وقال الاستاد من اشهده الحق حقائق التوحيد وراى العالم مصرفا فى قبضة التقدير لم يكن يهبأ للاغيار ومتى يكون للغير عليه تسلط فى معناه انشد الحسين بن منصور قدس الله سره
جحودى لك تقديس وعقلى فيك تهويش
فمن آدم الاك ومن فى البين ابليس
ثم ان الله سبحانه وصف تلك العباد الذين هم معصومون من شر ابليس بالتقوى وذكر منازلهم فى جنات العلى وعيون الاسى وسلامة من البلوى بقوله { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } اى ان الذين يبغضون ابصار اسرارهم عن الاكوان والحدثان فى جمال الرّحمن هم فى جنات مشاهدات الذات وعيون الصفات يشربون من سواقيها شرابات المحبة وراواق المعرفة يقول حبيبهم ادخلوا بساتين القدم والبقاء بسلامة من الانقطاع ولامن من الفراق قال بعضهم من اتقى الشرك فهو فى بساتين وانهار ومن اتقى الله فهو فى حظيرة القدس عند مليك مقتدر وقال الواسطى من اتقى للعوض جعل ثوابه عليه ما يرجو ويالمه ومن اتقى العوض فالحق عوض له من كل ثواب وقال الاستاد المتقى من وقاه الله بتفضله الا من اتقى بتكلفه لا بل لا يبقى بتكلفه الا بعد ان وقاه الحق بتفضله فهم اليوم فى جنات ولها درجات بعضها ارفع من بعض كما اتهم غدا فى جنات ولها درجات بعضها فوق بعض فدرجة قوم حلاوة الخدمة ولذاذة الطاعة ولقوم البسط والراحة ولاخرين الرجاء والرغبة ولاخرين الانس والقربة قد علم كل اناس مشربهم ولزم كافريق منهم اليوم مذهبهم قال الاستاد فى قوله ما دخلوها بسلام آمنين معناه يقال لهم ادخلوها === ولم يقل من الذى يقول لهم ادخلوها فقوم يقول لهم الملك ادخلوها ويقال يحتمل انهم لا يدخلونها بقول الملك وحتى لهم ادخلوها كما قالوا
ولا البس النعمى وغيرك ملبس ولا اقبل الادنيا وغيرك واهب
ثم ان الله سبحانه زاد وصف المتقين انهم مقدسون من غل النفسانى وغش الشيطانى بقوله { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } بين فى هذه الاية ان قلوب الصدقين والمتقين مقدسة من علل الانسانية والشيطانية لانها مقدسة بقدس جمال الرحمن ولانها متقلبة بين اصبعين من اصابع الرحمن ولا يدخل فيها علة الحدثان الارواح كانت مستغرقة فى لجج بحار الوحدانية والاسرار هائمة فى قدم الازلية ما جرت عليها اوصاف الترابية وما اشرف عليها غبار وساوس الشيطانية وما طرى عليها قتام هواجس النفسانية لكن لما اراد الحق سبحانه امتحانها خلق الاشباح وجعل منها اوديت الشهوات وانبت فيها بنات الاخلاق الذميمة والفطرة السليمة وجعل القلوب اماكن الارواح وجعل الارواح اماكن العقول وجعل العقول اماكن الاسرار وجعل الاسرار اماكن لطائف معرفته وحكمته وجعلها اصداف جواهر تجلى جماله وجلاله ثم وضع الجميع فى مواضع الفطرة من الاشباح فلما سكنت هذه الجنود فى الاشباح وتواترت عليها انوار تجلى الحق تطهرت الصدور بمساكنتها من علل الانسانية وانسدت عليها ابواب الشيطانية فلم يبق فيها علل الاخلاق ولا يدخل فيها بعد ذلك غبار الوسواس فاذًا بعد ذلك صاروا متقين الذين وصفهم الله بنزع الغل عن صدورهم قبل دخولهم فى الجنان نزع علة الغل والغش بنفسه عن صدورهم ثم يكبر معه دخلهم فى جنان مشاهدته واجلسهم على كراسى قربته ينظرون بعضهم الى وجوه بعض بالمودة والمحبة والشوق الى لقائه يرى سيماء نور الالوهية بعضهم من وجوه بعض ولو بقى الغل فى صدورهم على باب الجنة ما اسوء حالهم اذ بقى قلوبهم فى غواشى الغل الله الله لا نظن فانه لك بجلال قدره دفع عن صدورهم هذه العلة قبل دخول ارواحهم فى اجسادهم وكيف يكون موضع المضافات والمودة والالفة الالهية مغشوشة بغل الطبيعة والغل والغش من اوصاف اهل النفوس لا صفة المتحابين فى الله الا ترى كيف وصفهم بالاخرة ولا يبعد من قدرة الله وحكمته ان يدخل الغل فى صدور ولى من اولياءه ابتلاء وامتحانا ليشتغل بدفعه وتطهير سره عن ذلك واستعاذته بالحق من وسواسه ويصل الى معالى الدرجات باستنكاره على نفسه ومحاربته مع شيطانه ولا يكون ذلك منقصة فى ولايته الا ترى الى قول اسد الله على بن ابى طالب كرم الله وجهه كيف قال فى هذه ارجو ان اكون انا وعثمان وطلحة وزبير منهم قال ابو حفص كيف يبقى الغل فى قلوب ليتلفت بالله واتفقت على محبته واجتمعت على مودته وآنست بذكره ان تلك القلوب صافية من هواجس النفس وظلمات الطبايع بل كحلت بنور التوفيق فصارت اخوانا قال الاستاد امر الخليل عليه السلام ببناء الكعبة وتطهيرها فقال وطهرا بيتى وامر جبريل عليه السلام حتى غسل قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم وطهره وتولى نفسه تطهير قلوب العاصين فقال ونزعنا ما فى صدورهم من غل لا تقديما لهم على الانبياء عليهم السلام ولكن رفقا بهم وقد يصنع الله للضعيف ما يتعجب منه القوى ولو وكل تطهير قلوبهم الى الملائكة لاشتهر عيوبهم فتنولى ذلك بنفسه رفقا ويقال قال الله تعالى ونزعنا ما فى صدورهم من غل ولم يقل ما فى قلوبهم من غل لان القلوب فى القبضة يقلبه ف الخير قلب المومن بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ثم ان الله سبحانه نفى عنهم الغضب والمشقة فى جواره بقوله { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } اواهم الى انوار بقائه ومشاهدة جماله وحرسهم بها عن قهر سلطان كبرياء القدم الذى === عليهم سطوة من سطواته يفينهم عن اللذة وما هم فيه مع الجنان كلها لان الحادث اذا قرن بالقديم يزول من عظمته فيه باقل من لمحة ولولا استتارهم باستار نور البقاء لهلكوا فى جلال الازل كانه تعالى حفظهم به عنه وايضا لولا تفضله ورفقه بهم حيث اراهم جماله بوصف اللذة ليفنون فى بوادى عزته وهيبة عظمته ومعنى قوله وما هم عنها بمخرجين لان هناك ليس مكان الامتحان والتربية وقد صار فى زمان الغضب بوصف الرضا ويصير الغيرة مرتفعة من بين العاشق والمعشوق قال النصرابادى اى نصب يلحق فى المجاورة لمن غفل عن الله واما من انتبه فأى راحة للحدث فى جنب القدم هل هو الا تعذيب واستهلاك ثم رجع الى المقامات ومحل المتحانات ورعب المريدين بنيل الدرجات وهدد السالكين بنصب الحجاب وتعذيبهم بالعتاب بقوله { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } يغفر جناية خطرات قلوب العارفين بعد ادراكهم مواضع خطرها وتداركهم بالندم على تضييع الاوقات وعمارتهم اسرارهم بانواع الذكر وصفاء المناجاة يرحمهم بأن يوصلهم الى اعلى مراتبهم من المكاشفات والمشاهدات وعذاب فراقه واحتجابه اليم لمن عرفه ثم يستانس بغيره وان كان واسطة مليحة ويمكن انه تعالى اخبر عن تلك الاسرار التى ذكرناها فى قوله لا يمسهم فيها نصب غفر لهم علل الحدوثية ورحمهم بانه البسهم لباس الربوبية حتى بقوا به معه من غير زوال وان عذابه هناك لو اطلق عنانه يحرق الجمهور بنيران سر كبريائه وحقيقة اوليته اخبر عن تلك الصفتين وما اخبر عن مباشرة صفة القهر بل اخبر عن استغراقهم فى بحر رحمة مشاهدته وغيبوبتهم فى حجال وصلته فانه الغفران الحقيقى قال سبحانه لا يمسهم فيها نصب وانحسم باب القهر عليهم بقوله وما هم منها بمخرجين وايضا اخبر عن الوصفين من اوصاف المغفرة والرحمة وهما فى الحقيقة صفتان قديمتان باقيتان وان عذابه صفة فعله واذا قورن الفعل بالصفة لزال الفعل فى الصفة فاذا مقام الرجاء اقوى من مقام الخوف لان الرجاء من شقائقا === والبسط وهو باق ابد مع العبد لانه من تاثير تلك الصفة وزال الخوف لان فى جواره لا يبقى الخوف الا ترى الى قوله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بزوال العذاب وغيبة الفعل فى الصفة قال ابن عطا اقم عبادى بين الخوف والرجاء ليصح لهم سبيل الاستقامة فى الايمان فانه من غلب عليه رجاءه عطله ومن غلب عليه خوفه اقنطه قال الجنيد فى هذه الآية النبا سابق اليهم فى الدنيا فاجتماعهم فى الآخر فلذلك لا يشكون ولا يضعفون ويطيقون حمل البلاء فهم فى سعة من العيش فى كل حال كل ذلك لسعة عليهم بالله وسكونهم على مواعيده فحملوا الحقوق وما خفى عليهم شئ مما خفى عليهم شئ مما خفى على غيرهم وهم مشرفون بالله على ما له منهم وما لهم عنده وقال ابن عطا ان الله تعالى وصف نفسه بالفضل والعدل ولا يوصل فضله الى عبد الا اتجاه من كل بلية وهم ولا وضيع عدل على احد الا اهلكه واوصل عدله الى ابليس مع طول عبادته التى توهم انها تنجيه وتقرّبه الى ربه فابعده بعدله واخزاه الى ابد الابد واوصل فضله الى لسحرة وهم يقولون لفرعون بعزتك فرّدهم مما هم فيه بفضله الى محل السعداء فتلاشى كفرهم ومعصيتهم.