خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
١
يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ
٢
-النحل

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } الاشارة فى اتيان الامر الالهى انه تعالى كان قديما موصوفا بالارادة القديمة والعلم القديم وفى الارادة والعلم كان كون العالم والعالمين فتقاضى سر الارادة كون الوجود فكوَّن الحق الكون بامره القديم الذى كان فى نفسه فوقع الامر منه بغير زمان ومكان فصدر الكون من الامر بما كان فى ارادته وعلمه فكون ذلك ابد الابدين بغير سوال من الغير ولا انتظار ولا تعجيل فان الامر قائم به والمامور معلق به وجف القلم بما هو كائن فاذا سقط السؤال والعجلة اذهما صفتا جاهل بالله وبامره ولو كان الامر ياتى جراد الحدثان لكان نقصا فى الوحدانية لذلك نزه نفسه عن ذلك النقص بقوله { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يا ايها الفهم الامر منه صفة قديمة قائمة ابدية وهو تعالى قائم === بجميع ذاته وصفاته ظهر حيث ما غاب ظهر لنفسه بنفسه من الازل الى الابد فما معنى الاتيان الامر والامر قد اتى فى القدم من القدم لكن ظهر بالارادة للقدم لكون وجود الحدث فالاستعجال لمعنى غير قائم فامره قائم قبل وجود العالم واشارة المعرفة ان العارف الصادق العاشق الشايق ابدا يستعجل اتيان المقامات والواردات وكشوف المشاهدات من كمال شوقهم الى لقائه كانه قال سبحانه ان هذه يتعلق باختصاصه وقد اتى هذه الخاصيّة بغير سبب ولا علة كان فى الازل مشتاق اليكم قد خصَّكم بولايته قبل وجودكم فما معنى الاستعجال قال بعضهم هل رايتم امر من الامور الا بامره وهل رايتم وحدا او فقد الا به لا تعجلوا بطلب الفرج فان النصر مع الصبر قال النصرابادى اوامر الحق شتى بالعبادات مر على الظاهر من الترسم وامر على الباطن من دوام المراعات وامر على القلب بدوام المراتب وامر على السير بملازمة المشاهدة وامر على الروح بلزوم الحضرة فهذا معنى قوله اتى امر الله فلا تستعجلوه قال الاستاد اصحاب التوحيد لا يستقبلون شيئًا باختيارهم لانه سقط منهم الارادات والمطالبات فهم خامدون تحت جريان تصاريف الاقدار فليس لهم ايثار ولا اختيار ومن خاصيّته لاولياءه القاء الهام فى قلوبهم بواسطة الملائكة بقوله { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } مقامات الوحى فنون فبعضها وحى الذات وبعضها وحى الصفات وبعضها وحى الفعل ومنه لمّات الملك وما ياتى به من الوحى يكون على مراتب ارباب القلوب فوحى فى مقام العبودية ووحى فى قرآن الحق من الباطل او تخويف من الفراق او بشارة لنيل الوصال او تعريف لاسرار عيوب النفس ومداولتها ودفع مكائد الشيطان وردّ وسواسه او تربية العقل بالتكفر او تربية القلب بالذكر او لتصفية السر بنور الفراسة وخبر من الغيب الكائن من وقوع المقدرات ما يختفى فى الضمائر والسرائر وخبر عن وقوع كشف عالم الملكوت او خبر عن اختصاص الربانية من لمعان انوار الذات والصفات فالملائكة يخبرون ارباب القلوب من اسرار ما وصفنا ومخاطبتهم مع القلوب الا ترى كيف قال تعالى نزل به الروح الامين على قلبك واما وحى الصفاتى يكون بانواع على مراتب الصفات تخاطب الارواح على قدر سيرها فى عالمها واما وحى الذات يكون مع الاسرار وهناك يتزلزل الصفات ويتغير الافعال تضمحل الرسوم وتسقط الوسائط يحدث فى السر بالسر للسر ويظهر للسر ما فى السر قال عليه السّلام ان فى امتى محدَّثين ومكلمين وان عمر منهم فالمحدثون الذين يتحدث معهم الملائكة والمكلمون الذين يكلمهم الله ويجوز ان يحدثهم الله وبيان قوله سبحانه تنزل الملائكة بالروح من امره الروح الوحى الالهى سماه بالروح لانه كلامه صدر من ذاته وهو حياة قلوب الصديقين من المكلمين والمحدثين وهو سبب حياة قلوب المؤمنين يحييهم بعلمه من موت الجهالة بخبر الاولياء من وحيه ما يهذب قلوب السامعين وهو توحيده ووصف عظمته وكبريائه ليسقط عنهم الخيال ولزول عن قلوبهم المحال بقوله { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } خوّفوا الخلق من الخواطر الردية الممزوجة بالنظر الى غيرى وخوفوهم من عظم جلالى ونعوتى الشاملة على كل اسرار واخطار قال بعضهم من انذر وخذّر فقد قام مقام الانبياء ربما ياتى امره بالبلاء وربما ياتى امره بالرحمة فالصبر فى الاوقات والرضا بامر الله وذلك لكل اداب حفيظ لحفظ اوقاته ولا يضيع ايامه قال ابن عطا المحدث من العباد من يكلمه الملك فى سره ويطلعه على خصائص الوجود ويفتح لروحه طريقا الى الاشراف على الموت قال الله ينزل الملائكة بالروح من امره قال الاستاد فى قوله ينزل الملائكة بالروح على الانبياء بالوحى والرسالة وعلى اسرار باب التوحيد وهم المحدثون فالتعريف للاولياء من حيث الالهام والخواطر وانزال الملائكة على قلوبهم غير مسدود ولكنهم لا يومرون ان يتكلموا بذلك ولا يحملون رسالة الى الخلق.