قوله تعالى { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } اى للذين رفعوا ارواحهم وقلوبهم وعرضوها فى الحضرة لبذلها وفدائها لعروس المشاهدة واحسنوا عبودية خالقهم وشاهدوه مشاهدة ايقان وعرفان فى دار الامتحان حسنة مشاهدة الرحمن فى وقت كشوف انوار جماله فى اوقات المواجيد والواردات ولهم فى دار الاخرة عيان فى عيان وبيان فى بيان بلا فترة ولا فتور ولا حجاب ولا عتاب ولنعم دار هؤلاء المتفردين عن الاكوان والحدثان دار مشاهدة الرحمن ثم وصف مقاماتهم السنية ودرجاتهم الرفيعة فى مقاعد صدق المشاهدة بقوله { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } بساتين مقام الجلال والجمال يجرى فيها انهار زوائد المنن ولهم من مشاهدة جلاله وجماله ما يشاؤن من حلاوة الخطاب والوصاف وهذا جزاء قوم انفردوا بالحق عما دون الحق قال ابو عثمان فى قوله للذين احسنوا اي احسنوا فى ابتداء احوالهم الرجوع الى محل المحسنين وقال يوسف بن الحسين للذين احسنوا اداب الخدمة واستعملوها للرفعة الى محل الاولياء وهو غاية الحسنى قال الاستاد فى الدنيا مشاهدة وفى الآخرة معائنة ثم وصف لهؤلاء المحسنين المتقين بطيب قلوبهم وارواحهم عند خروجهم من الدنيا بقوله { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ } فى الدّنيا بطيب نفحات مسك تجليه وتدليه وفى الاخرة بطيب مشاهدته ووصاله وايضا طيبين بطيب محبته طيبين بطيب معرفته طابت نفوسهم فى خدمة مولاها وطابت قلوبهم فى محبة سيدها وطابت ارواحهم بطيب مشاهدة ربها وطابت اسرارهم بطيب الانوار هؤلاء مقدسون من شوب الحدثان واشراك الاصنام تقدست نفوسهم من لوث الطبيعيات وتقدست قلوبهم من لطخ الشهوات وتقدست ارواحهم من الوقوف فى الآيات وتقدست اسرارهم من علامة الكلمات من طابوا بطيب المناجاة واستانسوا بانس المداناة وسكروا بوجوه المشاهدات وصاحوا فى مجالس انوار الصفات وطاروا باجنحة الشوق والمحبة فى انوار الذات طيَّب الله قلوبهم حيث جعلها متصفة بانوار شهوده عليها فطابت الوجود بوجودهم وفاحت فارات مسك محبتهم فى الآفاق فما اطيب ذلك الطيب اذا تنفسوا من غلبات الشوق الى جماله واستنشاقهم طيب وصاله هبت عليها ريح الشمال وحملت انفاسهم ودارت حول الكونين فطابت الاكوان والحدثان من طي انفاسهم لانها رياض جمال الحق وموضع انفاس الرحمن الا ترى كيف قال سيد اهل الانفاس عليه السّلام انى احد نفس الرّحمن من قبل اليمن وقال ان لربّكم فى ايام دهركم لنفحات الا فتعرضوا لنفحات الرحمن عرائس جود المشاهدة هناك تتبختر فتطيب بطيبها تلك الانفاس الربانية فطابت السماوات والارض واهلها بطيبها كما قيل
تضوع مسكا بطن نعمان ان مشت به زينب فى نسوة عطرات
قيل اى طيبة ابدانهم وارواحهم بملازمة الخدمة وترك الشهوات وقال ايضا اى لم يتدنسوا من الدنيا وخبثها بشءٍ قال ابو حفص ضياء الابدان بمواصلة الخدمة وضياء الارواح بالاستقامة قال الاستاد طيبين تفيض ارواحهم طيبة ببذلها نفوسهم.