خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ
٦٦
وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٦٧
وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ
٦٨
ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٦٩
-النحل

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً } الخطاب للعارفين الذين يشربون البان المحبة من بين بطون الافعاليات ما يحصل من بين فرث ودم من الايات من لطائف الصفات تشرب منها القلوب والارواح والاسرار على قدر مزاجها من القرب وايضا تشرب الارواح ما يحصل فى العقول الصافية من بين النفس والقلب من زلال بحر المشاهدة فهنالك منازل اعتبار المعتبرين قال ابو بكر الوراق العبرة فى الانعام تسخيرها لاربابها وطاعتها لهم وتمردك على ربك وخلافك له فى كل شئ وما يتعلق بما ذكرنا من حقائق الاشارات قوله سبحانه { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } اى مما يتخذ الارواح والاسرار من ثمرات نخيل القلوب واعناب العقول شراب المحبة المسكرة صميمها وشراب الانس المتخذ من صفاء انوار الذكر الذى هو رزق حسن لتربية وجودها وذلك الشراب والسكر من تواثير مياه تجلى الجمال والجلال وصفاؤهما من صفو الوصال فاذا شربتهما صارت سكرانه من شوق الحق مستانسة بوجه الحق سبحانه وفى هذا الاشارات اعتبار ومعرفة لالباء الحقيقة بقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } قال الاستاد الرزق الحسن ما كان حلالا ويقال هو ما اتاك من حيث لا تحتسب وبيّن سبحانه موضع الحقيقة لاهل المعرفة فى منازل وحيه واختصاصه مما خلق به واكرمه بذلك بقوله { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } صرّح ببيان الحق موضع خاصية وحيه من النحل وامثالها مما فيه الحياة فانه تعالى اعطى من فيض فعله ونور صفته ورحمة ذاته كل ذى روح روحا يعيش بها ويكون مستعدا لقبول وحيه بها ومنها يعرف صانعه وخالقه ويعرف مكان رزقه ويعبد الخالق بما يفعل من عبوديته وربوبيته بقدر قوته فى تلقف الالهام منه بلا واسطة فهو تعالى الهم الجمهور بنفسه لانهم موضع اسراره لا يطلع عليها جميع العقلاء وبقدر لو نور الالهام يتولد منهم حقائق الاشياء الغيبية === الهام والالهام على مراتب الفعل والصفات فمن كان مشربه من الهام الافعال فصنوف === ومن كان مشربه من الهام الصفاتى فمواليده اصفى وانور الا ترى الى النحل كيف يكون === شفاء كل عليل لان الهامه تختص بالصفة دون الفعل فامرها باكل الطيبات من كل ثمرات خواص === والانوار واتخاذها طيبات المساكن من الجبال والاشجار فعلى قدر صفاء ثمرة الاشجار ولطفها === يكون العسل فكل ثمرة اصفى مما تاكل منها عسله اصفى فاوحى الحق نحل الارواح ان تتخذ اماكنها من جبال انوار الذات واشجار انوار الصفات وانوار عرش الافعال ولا تسكن غيرها من مواضع الحدثان حتى لا تتعود علاتها ولا يلتصق عليها غبارها الا ترى الى قوله عليه السّلام الارواح فى يمين الرحمن والقلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء يقلب بحر القلوب والارواح والاسرار والعقول فى جبال انوا رالذات واشجار انوار الصفات وعروش انوار الافعال ويكلمها بغرائب خطابه باكل ثمار انوار الصفات والذات والافعال بقوله { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } اى من ثمرات تلك الاشجار الصفاتية ونور بها وانوار الذاتية وازهار انوار الافعالية ثم امره لسلوك سبيل الازال ولاباد والقدم والبقاء بنعوت الفناء بقوله { فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } لتعرف فى طيرانها وسيراتها ثمار اشجار غيبه وتاكل رياحين انسه وتطير فى صحارى قدسه وتعرف جلال وجوده تعالى الله عن كل علة فاذا تم دورها فى بساتين العيوب { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ } شراب معرفته بقدم جلاله وعز بقائه وانوار ذاته فاختلاف الوانه باختلاف رؤيتها انوار كل صفة فعلى قدر رؤية الصفات يكون الوانها فمن لون المحبة ومن لون العشق ومن لون الانس ومن لون الفكر ومن لون القبض والبسط ومن لون الخوف والرجاء ومن لون البسط والانبساط فى هذه المقامات شفاء لكل مريض المحبة وسقيم الالفة وملدوغ الشوق وسليم المعرفة ومن شان ذلك العسل لون نورى من بهاء الله وطعم حلاوى من حلاوة وصلة الله فاذا حصل ذلك العسل من مشاهدة الله فى حواصل تلك النحل يحصل من قبلك العسل الذى صدر من تجلى الربوبية لها شمع العبودية فاذا قهر عليه نيران المحبة تميز بين الربوبية والعبودية فيصير عسل الربوبية موضع ذوق مقام الانس كقوله عليه السّلام ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى فمن شرب قطرة منه بنعت الجذب ومتابعته بنعت المحبة يشفيه من كل سقم من على الشهوات النفسانيّة === الشيطانية ويصير مربّى صحيحا بانوار الربوبية فحالاته شراب الوصال يليق بالمخمودين بخمار الارادة ويكون شمعة اوصاف العبودية الخالصة ليعرجه من نور كواشفه ومعارفه فيضئ لكل سالك طريقه وكل سائل رشده قال تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله قال ابن عطا الهمها ودلها على الموضع وعلمها كيف يضع ما فى بطنها لا يضعها الا على حجر صان ان خشب نظيف لا يخلطه طين ولا تراب ثم قال كلى من كل الثمرات اى من الذى جعلته رزقك ثم امره بالتواضع فقال فاسلكى سبل ربك ذللا ثم قال يخرج من بطونها شراب مختلفة الوانه فيه شفاء للناس للنفوس لا للقلوب فمن اراد صلاح قلبه فليعرف موارد ما يرد على قلبه فى الاوقات ويحيل قلبه فى جميع الاحال وما يبدو فى قلبه فى كل زمان ثم ليلزم مع ذلك التواضع والخلوة فهذا غذاء القلب وذلك غذاء النفس وغذاء الروح اعز وهو مشاهدة الحق والسّماع منه وترك الالتفات الى المكونات بحال وقال ابن عطا جعل ما يخرج من النحل شيئين ممزوجين لا يصفيهما الا النار فاذا اصفاهما النار صار عسلا وشمعا فالعسل هو غذاء الخلق وشفاؤهم والشمع للحرق لا غير كذلك اذا اخلص العبد عمله خلص له عمله وما خالطه برياء وشرك فلا يصلح الا للنار وقال ابو بكر الوراق النحلة لما اتبعت الامر وسلكت سبيلها على ما امرة به جعل لعابها شفاء للناس كذلك المؤمن اذا اتبع الامر وحفظ السر واقبل على ربه جعل رؤيته وكلامه ومجالسته شفاء للخلق ومن نظر اليه اعتبر ومن سمع كلامه اتعظ ومن جالسه سعد ويقال ان الله سبحانه اجرى لسنته ان يخفى كلشئ عزيز فى شئ حقير جعل الا بريم فى الدود وهو اصغر الحيوانات واضعفها والعسل فى النحل وهى اضعف الطيور وجعل فى الدر الصدف وهو اوحش حيوان من حيوانات البحر كذلك اودع الذهب والفضة والفيروز فى الحجر كذلك اودع المعرفة والمحبة لئن قلوب المؤمنين وفيهم من يعصى وفيهم من يخطى.