خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً
٧٧
-الكهف

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } سلكا طريق السوال يتعلق بتذلل النفس فى الطريقة فلما ابوا ان يضيفوهما نزلا من مقام السوال الى الكسب والكسب من اوصاف السالكين والسوال من اوصاف المجذوبين الذين لا يطيقون ان يشتغلوا بالمكاسب ويضيعوا انفاسهم بالاشتغال بالكسب بل يسالون ما يحتاجون بلحظة ويفرغون من ذلك بلحظة وطريق السوال بالحقيقة للتمكين ان يكون المسئول فى البين هو الله عز وجل والسوال سبب ضعيف فاذا كمل الحال يسقط السوال والكسب وفيه بيان ان الكسب والسوال لم يمنعا العارف من مقام الرضا والتوكل لان مع جلالة قدرهما سالا واكتسبا وكانا فى محل التوكل والرضا على احسن الاحوال قال الواسطى فى قوله فابوا ان يضيفوهما الحضر شاهد انوار الملك وشاهد موسى الوسائط وكان الخضر اخبر موسى ان السوال من الناس هو سوال من الله فلا تغضب عن المنع فان المانع والمعطى واحد فلا تشهد الاسباب واشهد المسبب تشريح من هواجس النفس ولما اقام الخضر الجدار وترك اجر العمل قال موسى { لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } لم يكن موسى يطمع فى اجرة العمل لكن وجد اهل القرية لياما نجلاء اراد ان ياخذ اجرة العمل ويتصدقها لامرين شحنه لعيون البخلاء داء هكذا قال عليه السّلام فى وصف تلك القرية قال كانت قرية الليام وقال طعام البخيل داء ويمكن انه اراد ان ياخذ الاجرة وياكل منها الانبياء فيغفر الله لاهل القرية ذنوبهم ويجعلهم اسخياء ببركتهم وكان موسى فى مقام الرفاهية والانس وتضرّ به المجاهدة وكان الخضر بعد قد بقى فى منازل الطريقة وكان موسى فى بحر نيران الاشتياق ولا يصبر عن الطعام وهكذا حال اهل النهايات وكان عليه السّلام فى بدو الامر فى مقام السماع والمشاهدة صبر عن الطعام والشراب اربعين يوما وكان نبينا صلى الله عليه وسلم من المعراج روى انه جاع فى الساعة وذلك من صولة الحال وكان ميل الخضر الى ترك اجرة العمل وهذا من داب الفتيان قال ابن عطا رؤية العمل وطلب الثواب به يبطل العمل الا ترى الكليم لما قال للخضر لو شئت لاتخذت عليه اجرا كيف فارقه وقال الجنيد اذا وردت ظلم الاطماع على القلوب حجبت النفوس عن حظوظها من بواطن الحكم ولما انتهى علم الخضر الى كمالها وعرف موسى شانه وحدّ علمه وكاد ان يغلب على الخضر بان يطلب منه اسرار العلوم الربانية الصفانية الذاتية علم الخضر انه بنفسه لا يطيق انه يجيبه مما يدفعه فيفرغ منه فعلل بقوله { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } عرف الخضر سر موسى وانسه بحمال الحق وانه ممتحن فى صحبته فاراد ان يريحه من صورة العلم والعمل وايضا عرف حدته وخاف من جواب سواله الذى من عالم سر سر الربوبية العلية فخاف منه بان يتطاول على شيخ من شيوخ القصة وكيف لا يفرغ منه وعلم وكزته التى ذهبت باحدى عينى عزرائيل عليه السّلام قال النصر ابادى لما علم الخضر انتهاء علمه وبلوغ موسى الى منتهى التادب قال هذا فراق بينى وبينك لئلا يساله موسى بعده عن علم او حال فيفضح وقال ابو بكر بن طاهر كان موسى ينهى الخضر عن مناكير فى الظاهر وان كان للخضر فيه علم لكن ظاهر العلم ما كان يامر به موسى فلما نهاه عن المعروف بقوله لو شئت لاتخذت عليه اجرا ورده الى الطمع قال هذا فراق بينى وبينك.