خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ
٢
إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً
٣
قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً
٤
وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً
٥
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً
٦
يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً
٧
-مريم

عرائس البيان في حقائق القرآن

قال سبحانه { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } وتخصيص ذكريا برحمته وذكره انه كان عليه السّلام تعرض بنعت الفناء والعجز بجلال جبروته وعظايم ملكوته ليهب له من يرث منه علوم الحقيقة ولطائف حكم الالهيّة فاخبر سبحانه عن تعطفه به ورحمته الكافية عليه بانه اجاب دعوته واعطى ماموله وجعله اماما للخاضعين ومقتدمى للسائلين قال الحريري في هذه الحروف سبب رحمت ربك عبده زكريا قال ابن عطا ذكر اختصاص زكريا بالرحمة وان كان رحمته قد وصلت الى الانبياء فخص زكريا من بينهم باللطف رحمة وهو ان وهب له يحيى الذي لم يعص ولم يهمَّ بمعصية فهذا هو محل اختصاصه ثم وصف الله سبحانه زكريا بنطائف المناجاتُ خفى الذكر في المراقبات بقوله { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } اذ حاج سره الى طلب الخنوع في الربوبية والفناء تحت العظمة والذهاب عن الذهاب في برجاء الهيبة في مقام المشاهدة ونجوى سره فناجى سره خفيا عن سره ونادى سره خفيا عن روحه ونادى روحه خفيا عن عقله ونادى عقله خفيا عن قلبه ونادى قلبه خفيا عن نفسه ونادت نفسه خفيا عن صورته ونادى لسانه بل جميع وجوده -----خفيا عن غير وبه فمناجاته ونجواه خفى عن كل خفى لانه نادى ربه بربه وتلك المناداة ما وصف عليه السلام بالخيرية والخاصية عن جميع العبادات والاذكار والافكار بقوله خير الذكر الخفى قال عن عطا نداء خفيا اخفى ندأه من الخلق ومن نفسه واظهر النداء لمن يجيبه ويقدر على اجابته وفائدته اخفائه النداء من الخلق ومن النفس لئلا يدخله تلوين وقال بعضهم خفى في الذكر عن الذكر ومن ذا قيل اذا اذهلتك العظمة خرس قلبك ولسانك عن الذكر قال بعضهم اخفى سواله عن نفسه وروحه فبنداؤه لمن يقدر على اجابته وقضاء حاجته فسمع الحق نداءه وهب له يحيى كما طلبه ثم وصف الله سبحانه عبده زكريا بانه جعل نفسه في مقام العجز والتواضع في سواله عن ربه وهكذا حال السوال على باب جبروت ذى الجلال وكان في دعائه موقنا لان قلبه شاهد مقام استنشاق نفحة الاجابة لذلك قال { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } قال ابن عطا قام مقام معتذر لما وجد في نفسه من فترة العبادة لكبر السن فسال الله من يعينه على عبادة ربه وينوب عنه فيما عجز عنه من انواع العبادة منابه فقال واجعله رب رضيا ومرضاه لخدمتك ومستصلحة لعبادتك ثم انه كان عليه السّلام راى بعين سره روح ابنه في الملكوت ظائرة في رياض الجبروت فسال ما راى فقال { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } ناصرا صديقاً نبياً مرسلاً يعرف حالى ويرث مقامى ويتخلق بخلق ابائي واجعله رب رضيا مرضيا عندك وبعد اتصافه بصفتك راضيا عنك بعد ما شاهد الرضوان الاكبر بنعت المتبرى عن غيرك قال ابن عطا هب من لدنك ولياً اى ولدا نتخذه وليا يرث منى النبوة ويرث من أل يعقوب الاخلاق وقيل يرثنى النبوة ويرث من أل يعقوب السخاوة والكرم والصبر على النوائب والرضا بالمقدر قال برضا في قوله واجعله رب رضيا يرضى منه اخلاق الظاهر ويرضيه عنك في الباطن وقال جعفر ورضيا اى راضيا بما يبدو له وعليه قال ابو حفص اعتذر الى ربه في ضعفه عن القيام بالعبادة على ------ثم هو سبحانه بشره بما سره فقال { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } يحيى بحيوته ومشاهدة جماله ومعرفة كماله نفخ نفس سبح القدم في يحيى فيحيى من موت العدم بانوار القدم واذا بحيوته لم يمت بموت الفرقة وما طرى عليه طوارق قهر الغيرة وقد تخصص من بين الانبياء والرسل وجميع من طريات الامتحان الذى يكون سلب حجاب القلوب عن الغيوب ولذلك خص اسمه وخصه بهذا الاسم المبارك بقوله { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } فكان في اسمه يا أن وحاء فالياء الاولى ياء نداء الحق في الازل نادى الحق بنفسه الى العدم ودمى من نفسه بنفسه وجود عبده يحيى فتكون بياء نداء الازل واجاب الفطرة الفعلية نداء الحق فصار قائماً بقدرته بعد ان تجلى الحق من حاء حيوته لتلك الفطرة فصيرورته بروح الحق وروح حيوة الحق فنادت تلك الفطرة بعد كونها ودعت صانعها واقرت بربوبيته فالياء الاول نداء الربوبية من العدم والياء الثانى من اسمه نداء بنعت الجواب بالعبودية من العدم فالبسه الحق بين ياءين وحاء من حاء حيوة الازلية فصار حيا بحيوته مقدسا من غرات الموت ولا اعتبار بذهاب الصورة عن البين فانه نقل ---- مع نقل الروح لذلك قال عليه السّلام نحن معاشر الانبياء اجسادنا ارواحنا قال الصبحي سماه يحيى وقال لم نجعل له من قيل سميا افتتح اسمه بالياء وختمه بالياء وتوسط بين يائين حاء الحنانية فاسمه في الخاء مرسوم موجه يقراه مزاوله الى أخره ومن أخره الى اوله فياء الاول توفيق وياء الأخبر تحقيق فلذلك لم يعص ولم يهتم بمعصية وقال الجنيد سمى يحي ولم يكن له من قبل سميا لان يحيى من يحيى بالطاعة والموافقة ولا يموت بالذنب والمخالفة وكان هذا صفته ونعته لم يجر عليه وسم الخلاف ولا لسان الذنب بحال كان محمود السيرة من بمتدأ امره الى منتهاه لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما احد من الخلق الا اخطأ او همّ بخطيئة الا يحيى بن زكريا ما اخطأ ولا همّ" .