خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً
١٠٨
يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً
١٠٩
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً
١١٠
وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً
١١١
-طه

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } اخبر الله سبحانه عن كشف العظمة والكبرياء والسلطنة القدم فهناك مقام فناء الارواح والاشباح بنعت الخموم والخشوع فلا جد لهم هناك للخروج من تحت غواشى ضباب العزة لان الحوادث مضمحلة عند بروز انوار سطوات الالوهية فاذا ذهب طوفان بحار العظمة ويطلع عليهم ---- فان الجمال من مشرق الجلال فيبقوا بقائه ويفيقون من صفاتهم ويحبون الله ويسموعن منه فالاول مقام الفناء والأخر مقام البقاء قال الواسطى وهل كانت الا خاشعة فى الازل وهل يكون الا خاضعة فى الابد فالاقتحام فى حال الوجود بالتوثب والمنازعة ووقاحة الوجه ورعونة الطبع لانها لم تكن وهى اذا كانت كانها لم تكن وقال الجنيد كيف لا تخشع وقد كشف الغطاء وابدى الخفاء فلهيبة الموقف وحياء الجنايات خشعت اصواتهم وذلت رقابهم ثم اخبر عن ذهاب وصلات العظمة واقبال كشف الجمال بقوله { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } من رضى الله عنه فى الازل واختار باصطفائيته وحسن عنايته ورضى عن قوله فى دعواه فى الدنيا بمحبته ومعرفته مقرون بالصدق والاخلاص وله لسان الولاية فاذن الله يهب الله له بشفاعته ولو شفع بجميع الكفرة فانه لا يردم مكان خاصية ارادته القديمة وهناك تبيين صدق الصادقين ودعوى المدعين قال الواسطى لا تنفع الشفاعة الا لمن لا ينسب الى نفسه شيئا ولا يرى نعته فاذا عاين أمته نسى الاول واذا ظهر عليه رضوانه ذهب ما دونه ثم اخبر عن كمال جلاله وبقاء ديموميته الى تقاصرت الاوهام عن ادراكها وفنيت العقول عن الاشارة اليها بقوله { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } كيف يحيط الحدث بالقدم والحدث فانى الوجود فى كشف وجود الحق والفانى لا يدرك الباقى الا بالباقى واذا ادرك الباقى بالباقى لا يبلغ الى ذرة من كمال الازلية لان الاحاطة بوجوده مستحيلة من كل الوجوه صفاتا وذاتا وسرا وحقيقة يا عارف كيف تدعى معرفة من لا يدركه معرفة كل عارف ان معرفة كل عارف مستفاد من كرمه والحادث بمعرفته لا يعرف ماهية حديثه فكيف يعرف سر السر وعين العين وعلة العلل افهم ان ما تدرك منه يرجع اليك بكل معروف ومفهوم ومعلوم فكلها منفى ادراك حقيقة ذاته وصفاته قال ابن عطا لا يحيطون بشيء من ربوبيته علما لانه لم يظهر شيئا الا تحت تلبيس لكيلا يستوى علمان فى شيء واحد ومن لا يرى الكل تلبيسا كان المكر به قريبا والعبيد لا يقفون على تلبساته وقال الواسطى كيف يطلب احد طريق الاحاطة وهو لا يحيط بنفسه علما ولا بالسّماء وهو يرى جوهرها ثم ذاد ذكر غلبة عزته وجلاله واشتمال انوار هيبة ذاته وصفاته على كل ذرة من العرش الى الثرى بقوله { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ } افهم يا صاحب العلم انه سبحانه ذكر الوجوه فى العرف صاحب الوجه من كان وجيها عند كل ذى وجاهة فالانبياء والمرسلون والاولياء والمقربون فى الحقيقة هم اصحاب الوجوه كيف انت بوجوه حور العين وزجه كل ذى حسن وحَسَن فوجوه الجمهور مع حسنها وجلالها المستفاد من حسن الله وان كانوا جميعا مثل يوسف تلاشت وخرت وخضعت عند كشف نقاب وجهه الكريم وظهور جلاله وجماله القديم وقال سهل خضعت له بقدر معرفتها به وتمكين التوفيق منه.