خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ
١٠٥
إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ
١٠٦
وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
١٠٧
-الأنبياء

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } كان فى علم الازلية ان ارض الجنان ميراث عباده الصالحين من الزهاد والعباد والابرار والاخيار لانهم اهل الاعراض والثواب والدرجات وان مشاهدة جلال ازليته ميراث اهل معرفته ومحبته وشوقه وعشقه لانهم فى مشاهد الربوبية واهل الجنة فى مشاهدة العبودية قال سهل اضافهم الى نفسه وجلالهم بجلية الصلاح معناه لا يصلح لى الا ما كان خالصة لا يكون لغيرى فيه اثروهم الذين اصلحوا سريرتهم مع الله وانقطعوا بالكلية عن جميع ما دونه ثم بين سبحانه ان كلامه الازلى يبلغ الصديقين الى معادن من رؤية الصفات والذات بقوله { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } مشاهدين جلالنا وجمالنا بهمهم العلية وقلوبهم الحاضرة وعقولهم الصافية وارواحهم العاشقة واسرارهم الطاهرة قال سهل لم يجمع البلاغ لجميع عباده بل خص لقوم عابدين وهم الذين عبدوا الله وبذلوا له محبتهم لا من اجل عوض ولا لاجل نار ولا جنة بل حبا له وافتخار بما اهلهم من عبادتهم اياه ثم وصف الله سبحانه حبيبه محمد صلى الله الله عليه وسلم بانه ارسله رحمته الى جميع خلقه بقوله { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ايها الفهم ان الله سبحانه اخبرنا ان نور محمد صلى الله عليه وسلم اوّل ما خلقه فى الاول من جميع خلقه ثم خلق جميع الخلائق من العرش الى الثرى عن بعض نوره فالرسالة من العدم الى مشاهدة القدم رحمة لجميع الخلائق اذا الجميع صدر منه فكونه كون الخلق وكونه سبب وهو الخلق وسبب رحمتا الله على جميع الخلائق اذ هو سبب وجود الجميع فهو رحمة كافية وافهم ان جميع الخلائق صورة مخلوقة مطروحة فى قضاء القدرة بلا روح حقيقة منتظرة القدوم محمد صلى الله عليه وسلم فاذا قدم فى العالم صار العالم حيا بوجوده لانه روح جميع الخلائق قال تعالى وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ويا عاقل ان من العرش الى الثرى لم يخرج من العدم الا ناقصا من حيث الوقوف على اسرار قدمه بنعت كمال المعرفة والعلم فصاروا عاجزين عن البلوغ الى شط بحار الالوهية وسواحل قاموس الكبريائية فجاء محمد صلى الله عليه وسلم اكسير اجساد العالم وروح اشباح العالمين بحقائق علوم الازلية واوضح سبل الحق لهم بحيث يجعل سفر الازل والأباد للجميع خطوة واحدة فاذا قدم من الحضرة الى سفر الغربة بانهم جميعا بخطوة من خطوات صحارى سبحان الذى اسرى حتى وصل الى مقام دنا فغفر الحق لجميع الخلائق لمقدمه المبارك فالكافر والمؤمن والذيب والظبّى والبازى والحمام والجنة والنار والدنيا والأخرة فى حيز رحمته لانه كان رحمة ازلية ابدية فطرة من حبر رحمة الرحمن وغرق غرقت من نهر الغفران قال ابو بكر بن ظاهر زين الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم بزينة الرحمة وكان كونه رحمة ونظره الى من نظر اليه رحمة وسخطه ورضاه وتقريبه وتبعيده وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق فمن اصابه من رحمته فهو الناجى فى الدارين عن كل مكروه والواصل فيما الى كل محبوب الا ترى الله بقول وما ارسلناك الا رحمة للعالمين فكانت حيوته رحمة ومماته رحمة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم "حيوتى خير لكم ومماتى خير لكم" وقال ابن عطا رحمة الدارين لمن تبعك وأمن بكل والرحمة العاجلة لمن لم يومن بك بتاخير العذاب عنه الى العاقبة.