قوله تعالى { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } كان الخليل منورا بنور الله وكان النار من فعل الله فغلب نور الصفة على نور الفعل ولو بقيت النار حتى وصل وجودى فى وجودك لان حق الغيرة فى الوحدانية لا يقتنع كون الوجود فى الحق وايضا كان مقام الانس صدرت فطار صوته شبيه روحه باللطافة وهو كان فى هواء الانس طياء واوفى فى ميادين الضر ويا فهم العارف الصادق اذا كان متحققا فى معرفته فشكواه حقيقة الانبساط ومناجاته تحقيق المناجاة وانيته فى بلاء حبيبه حقيقة المباهاة وفيما ذكرنا انشدت يوما فى حق بلا عشق فى ايام امتحانى وشوقى الى ايام وصالى ورؤية منابى فقلت
هوالى يا منابى فى لقاكا وعيشى يا رجالى فى هواكا
نزلت حظوظ نفسى من حيوتى واثرت الممات بان اراكا
وجدت صفاء قلبى فى هوم لذا كانت همومى فى رضاكا لقد طالت بلايا فى بلائي
بلائى يا بلائى من بلاكا
وفى الحديث المروى عن النبى صلى الله عليه وسلم " انه جاء اليه رجل فساله عن قول ايوب انى مسنى الضر فبكى النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال والذى بعثنى بالحق نبيا ما شكى فقراً نزل من ربه ولكن كان فى بلائه سبع سنين وسبعة اشهر وشبعة ايام وسبع ساعات فلما كان فى بعض الساعات وثب ليصلى قائما فلم يطق للنهوض فجلس ثم قال --- الضر وانت ارحم الراحمين ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم اكل الدود وسائر جسده حتى بقى عظاماً تخرة فكانت الشمس تطلع من قبله وتخرج من دبره ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم ما بقى الا قلبه ولسانه وكان قلبه لا يخلق من ذكر الله ولسانه لا يخلق من ثنائه على ربه فلما احب الله له الفرج بعث اليه الدودتان احديهما الى لسانه والأخرى الى قلبه فقال يا رب ما بقى الا هاتان الجارحتان قلبى ولسانى اذكرك بهما وقد اقبلت هاتان الدودتان احدهما الى قلبى والأخرى الى لسانى تشغلانى عنك وتطلعان على سرى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين" وقال الحسين بن على رضى الله عنهما ذكر الله على الصفا ينسى العبد حرارة البلاء وقال جعفر خرج منه هذه القول على المناجاة مستدعيا للجواب من الحق ليسكن اليه لا على الشكوى قال مسنى الضر وقال الجنيد عمل الدود فى جسده فصير فلما قصدوا قلبه غار عليه لانه موضع المعرفة ومعدن التوحيد وماوى النبوة والولاية وقال مسنى الضر افتقار الى الله مع ملازمة أداب النبوة وقال ابن خفيف كان ايوب ----- بحال الصبر عن البلاء وقد اختاره سبعون نبيا قبلك فما اخترته الا لك فلما ما اراد الله كشفه عنه قال انى من --- قال الحسين تجلى الحق اسره وكشف له انوار كرامته فلم يجد للبلاء لما قال مسنى الضر لفقدان ثواب البلاء والضرّ اذا صار البلاء لى وظنا وعلى نعمة وقال بعضهم تال كل عضو منه البلاء موضع النداء فارى الضر والباقى منه على العافية لا عن مواضع البلاء فقال مسنى الضر نداء لا شكوى فانشد
ادرك بقية روح فيك قد تلفت قبل الفراق فهذا أخر الرمق
ولو مضى الكل منى لم يكن عجبا وانما عجبى للبعض كيف بقى
سئل الجنيد عن قوله مسنى الضر قال عرفه فاقة السوال اليمن عليه بكرم السّوال ثم اخبر الله سبحانه عن رفعه البلاء عن نبيه واجابة دعوته واخراجه من الضر بقوله { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ } حقيقة هذه الأية ان الله عرف خوف ايوب من فوت مشاهدته ووصاله ووقوفه باسراره فى بلائه فاستجاب دعوته ورفع عنه تكائد قهره فى ابتلائه وغيرة ربوبيته على عبوديته فكاشفه جماله وجلاله بعد ان البسه لباس العافية فارتفع الضر من جميع الوجوه وبقى فى شهود جماله فصار اليد البلاء والعافية واحدا قال بعضهم استجاب دعاءه وفتح عليه ابواب الرضا لئلا يعارض بعد ذلك فى حال لا مستكشفا للبلاء ولا متلذذا به لان كليهما موضع العلل والرجوع الى النفس وتربيتها قال الاستاذ لم يق الرحمن بل حفظ أداب الخطاب فقال وانت ارحم الراحمين قوله تعالى { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } تسلية للمحبين الصابرين وتذكرة للمتعبدين قال الواسطى موعظة للمطيعين عند نزول المحن بهم وتعريضا على الرضا وحسن الدعاء من غير تصريح به بل اظهار للحال.