خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٠
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً
٧١
وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً
٧٢
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً
٧٣
وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً
٧٤
أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً
٧٥
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
٧٦
-الفرقان

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } اى الا من انسلخ مما دون الله ورجع بالله الى الله وعرف الله بالله وشرع فى خدمة الله بنعت الاخلاص والصدق فى طاعة الله فيبدل الله تقصيره توفير وتحقيره وتوقير او غيبة حضور او معصيته طاعة هذا وصف من قام فى حضره جلاله عند شهود جماله بنعت الخجل الحيرة والحياء والفناء فيكون اوزاره انوار وانواره اسرار فاذا كان كذلك فانه تعالى يتوب عليه بكشف المشاهدة ومداناة الوصلة وفتح خزائن وجود القدم وحقائق الطاف الكرم بقوله فاولئك يتوب عليهم وقال عليه السّلام من تاب تاب الله عليه ثم بين ان التايب الصالح العارف الصادق يقع توبته عند مشاهدة الله بقوله { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } قال ابن عطا التوبة الرجوع من كل خلق مذموم والدخول فى كل خلق محمد وقال طاهر التوبة ان يتوب من كل شئ سوى الله ثم وصفهم بالقدس والطهارة عن شهود قلوبهم مشاهد الرياء والسمعة بقوله { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } لا يشهدون بقلوبهم واسرارهم ما دون رؤية القدم فان ما دون القدم يكون بالمحل كالعدم فى العدم بالحقيقة كل يكون بنعت العدم ووجوده زور اذ لا حقيقة لوجوده مع وجود الحق الذى لم يزل ولا يزال موجودا حقيقا ثم زاد فى وصفهم انهم لم يلتفتوا فى مرورهم على اهل الدنيا ومزخرفاتهم الى دنياهم كرما وظرافه بقوله { بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } قال ابن عطا لا يشهدون الزور هو شهادة اللسان من غير مشاهدة القلب وقال جعفر الزور امانى النفس ومتابعة هواها قال سهل الزور مجالس المبتدعين قال ابو عثمان فيما ساله عنه احمد بن حمدان من قوله ولا يشهدن الزور قال لا يخالطون المبدعين ثم زاد فى وصفهم بالتنبه والتيقظ والاعتبار والفهم والادراك فى خطاب الله بقوله { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } اذا سمعوا كلام الله وفقوا عليه بنعت التدبر والتفكر فيه والاستكشاف والنبئين فاذا وجدوا حقائق الخطاب اغذوا منه لطائف كنوز علوم الربوبية اللدنية وشاهدوا جمال الحق فى كلام الحق قال ابن عطا لم ينكروها ولم يعرضوا عنها بل اقبلوا على امرها بالسمع والطاعة ونعمة عين ثم اخبر عن مقالتهم عند شهودهم مشاهدته بقوله { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } اى اجعل ازواجنا وذُرياتنا من اهل معرفتك ومشاهدتك ليكونوا زيادة نور ابصارنا واجعلهم مطيعين لك ومعاونين لنا فى خدمتك قال جعفر هب لنا من ازواجنا معاونة على طاعتك ومن اولادنا حتى تقرا عيننا بهم ثم وصفهم بزيادة الدعاء على انفسهم بان يجعلهم ائمة الهدى وان يجعلهم ائمة للمتقين اى اجعلنا عرفائك لتكون ائمة للزهاد والعابد بانهم ان العارف واصل مراد يعرف من الله مكان الحقائق ومثله كمثل عنقاء مغرب ومثل الزهاد واهل التقوى كمثل الطيور الصغار المختلفة قال ابو عثمان لا يكون اماما فى التقوى من لم يصحح تقواه مع ربه وبقى عليه شئ من ذلك انما الامان المقدم فى الشئ وامام المتقين من يتقى كل شئ سوى الله ثم اخبر سبحانه عما يجاريهم بما مولهم { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } يجزون بغرف الوصال كشف انوار الجمال بما صبروا فى شوقه عنه لا بغيره ويسمعون سلام الله وتحيته واعتذاره اليهم والفرق بين السّلام والتحية ان السلام سلامة العارفين فى الوصال عن الفرقة والتحية روح تجلى حياة الحق الازلة فى ارواحهم واشباحهم فيحيون بحيوته ابدا الابدين { خَالِدِينَ فِيهَا } دائمين فى مشاهدة الله { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } حسنت مستقرا بهم ومقاما بهم بحسن جمال الحق قال الترمذى اهل الغرف كائن فى اوائل الاية لا فى أخرها وانما وصف اهل القرب بما يعقل من ظاهر امورهم وانما نالوها بما فى باطنهم الا نراه يقول بما صبروا والصبر فى الاخلاق والأداب وقال الواسطى التحية غير السّلام من عند الله والتحية صفرة الحياة مع الحق وقال ايضا التحية من الله الى الروح كسوة يحيى الروح بحياته فلا يلاحظ غير من حياه واكرمه وادناه تحية من عند الله مباركة طيبة وقال ايضا التحية فى الاصل ما يحيى به فيفرح الروح بذلك ويانس به وقال التحية فى الدنيا على العقول بركات ما يقع عليها من طيب ما اجرى عليها وقال بعضهم التحية انس الاسرار بالحى والسّلام سلامة القلوب من القطيعة وقال بعضهم فى قوله مستقر او مقام طاب فيها المقام وحسن فيها القرار وقال بعضهم احسن المقام المقام فى مشهد الحق واطيب القرار القرار فى جواده على فرض مرضاته.