خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً
١١٨
وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً
١١٩
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
١٢٠
-النساء

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } لما التصق رغام الاياس فى انف ابليس من اغواء الاولياء والمخلصين حيث يائس فى سماع خطاب الحق جل سطانه فى وصف احسانه من جميع العباد بقوله ليس لك عليهم سلطان راى بعد ذلك فى حواشى ساحات قلوبهم محارى ضيقة تجرى فيها للنفس الامارة وهو اجسها قال لما ايست من انقطاع المريدين عنه لا تخذن منهم نصيبا مفروضا يعنى التقط قطيعات من هواهم ونفوسهم نصيب وسواسى وسوسهم من وراء القاف لانى لودنوت منهم بالمباشرة احترق بنيران محبتهم وذلك النصيب لما سلبه سارق القهر من حرمة مراقبتهم تدراكوه بالندم ورموه بسهام الذكر من قوس الفكر فخرجوه حومة التلاوة وتشاب الاستعاذة ثم راؤه بعد ذلك ايرا فى سجن جوعهم ومجاهدتهم صحة ذلك قوله تعالى { { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } ابصروه اخائبا خاسرا محترقا وهم بعد ذلك ينزلون اعالى منازل القرب وازادوهم دنوا لدنو قال عليه الصلاة والسلام ايس الشيطان ان يعده المصلون فى جزية العرب ولكن فى التحريش بينهم وقال فى موضع الا ان الشيطان قدايس ان يعبد فى بلادكم هذا ابدا ولكن ستكون لكم طاعة فيما تحتقرون من اعمالكم فسيرصى به اشار عليه السلام والله اعلم الى ذلك النصيب والحمد لله الذى رد امره الى الوسوسة ولو كان له قدرة فى اخذ النصيب لكان قادر فيما بقى ولكن راى الله فيمهم مواضع الامتحان لزيادة عرفانهم وابتلائهم بالقهريات واللطفيات فعلم المعلون ان له فى منازل الامتحان مساغا لوسوسته لانه خلق من عالم القهر وفى كل موضع يرى خيول القهر يدخل فيما بينها ليسرق شيئا من بيدر حبات الذكر حبة ليحترق بها حسدا على المخلصين ودخوله معت لاهلية بينه وبينها فيطلب لطيفة معدنة ومثاله مع العارفين انه كافراش والعارف كالشمع المنورفيد واحوله بالوسوسة فيقع فيه فيحترق به الا ترى كيف دار حول ادم صفى لله صلوات الله عليه فاحترق بنيران لعنة الابدية وكان وسوسته لأدم سبب زيادة زلته وقربته واجتبائيته واصطفائيته قال تعالى ثم اجتبه ربه فتاب عليه وهدى وهذا علام من الله سبحانه للخلق هكذا يكون شان من يؤدى وليه وحبيبه من احبائه واصفيائه قال الواسطى فقال له ان كان اليك شئ من القدرة والقوقة فاغوا احد سوى ما جعل له من النصيب المفروض عندك ذلك يظهر عجزه وضعفه وقال بعضهم فى هذه الاية لتقرقى اعينهم طاعتهم واغلق دونهم ابواب الانابة وروية الفضل وقد وقع لى شئ اخف ان ذلك النصيب التفات العاشق فى طلب جمال الحق الى عالم المحسنات لان فيها ما يليق بالنفس الامارة حين تلطف فى جوار الروح الناطقة العاشقة فاخذت الروح من الوجوه الحسان لطف معدن الحسن وبقى للنقس الامارة حظ من حظوظ الشهوات قال ابو سعيد الحراز رايت ابليس فى منامى له هل لك يد على الصوفية فقال لا ومضى ثم التفت وقال لى عندهم لطيفة وهى نظرهم الى وجوه الاحداث وايضا نصيب الملعون منهم فرجهم بحالهم ووقوفهم بلذات مواعيدهم والقاء مخائيله فى مكاشفاتهم وذلك النصيب يقع على اكثر من مقاماتهم منها ان يعدهم الى بلوغ مقام الكرامات بغير استعمال اداب الطريق ومتابعة المشائخ وموافقة الا سوة والسنة وهذا له المريدين ومنها ان يمنيهم بطول العمر ونيل الدرجات فى شيخوخيتهم بان تقاعدوا عن استعمال رسوم المعرفة وكل هذا اغروا المعلون ولا يشترى غرور الا من فر من امانة النفس فى طريق الله وكل هذا معنى قوله تعالى فى وصفه { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } والغرور له للمريدين انك قد بلغت منتهى المقامات واخر الدرجات فاسكن من مجاهدتك ورياضتك واجلس فى مجلس الشيوخ وتكلم بكلامهم انت اعظم منهم حتى بدور حولك المريدون واراد بذلك الغرور ان يوقعه الى حب الجاه والرياسة فيهلك فيها كهؤلاء المطرودين فى زماننا طهر الله وجه الارض منهم ومن امثالهم قال بعضهم يعدهم طول العمر والموت غايتهم ويمينهم الغنى والفقر سبيلهم وما يعدهم الشيطان الا غروا ما يقربهم من الدنيا ويبعدهم عن الاخرة.