خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً
١٢٥
-النساء

عرائس البيان في حقائق القرآن

بمعنى قوله تعالى ومن احسن دينا انه وصف من يحمل بسريال جلاله الذى يتلالأ منه حسن وجه القديم وطار بجناح المحبة والشوق فى هواء هويته فيجد طريقا من الازل فيسير من الله الى الله الى ابد الابد فتلك المسالك دينه اى دين احسن من هذا وهو بجلاله وعظمته دليلة منها ليه لمن ينطمس مسلك الازال والاباد ما دام بعزته ومجده امام مطايا اسراره وعلم رواحل انواره

اذا نحن ادلجنا وانت امامنا كفى لمطايانا بلقياك ههناه

بان سمات الحسن منه حين اسلم وجهه لله الى جمال الله فيتجلى من وجهه تعالى لوجه قاصده فبرز نور وجه القدم من وجهه افنى وجوده لادراك وجوده وهو محسن اى عارف وعالم بما يطلب ومقصده مشاهدة الباقى بنعت الفناء فيه اتصافه برضاه فيرضى عنه فيما يريد منه ومثل هذا الدين دين الحنيفة الحبيبة الجليلية المسايلة عن الحدثان فى مشادة الرحمن الا ترى كيف وصف حبيبه بقوله ما زاع البصر وما طفى حين راه لم يلتفت الى الحدثان وكيف وصف خليله حين برز انوار جلاله له من مطالع القدر ببراءته عن الحدث بقوله الى برئ مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض وبين تعالى ان تمام حسنة لم يكن الا بمتابعة خليله واتبع ملة ابراهيم حنيفا وملته كسر اصنام الطبيعة يفاس الحقيقة فى بداية المحبة واذهاب عرائس الملكوت من خاطره بقوله انى برئ مما تشركون بعد قوله هذا ربى حين انكشف فى عينه سلامة القلب عما دون الرب قال تعالى { { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وزاد فى وصفه بقوله { { أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } امتحن تسليمه بذخ الولد فامر السكين على حلقه سبعين مرة وامتحن بنفسه بالقائه فى النار فعرضه جبرئيل عليه السلام المعاونة فقال الك لى حاجة فقال اما اليك فلا وبين سبحانه اذا كان الخليل بهذه الصفة فى عبودتيه وعرفان ربوبيته اتخذه كان فى الازل خليل الله بلا علة ولا تهمة اصطفاه بالخلة فى الازل ولو كان خلته بعوض ما كان فضلا لان اصفطائيته بالخلة وصف الازل و الازل قديم بل وجود الحوادث حين اقبل صفته تعالى وهى المحبة الى الذات واقبل اذات الى الصفة وتجلى الصفات للذات تجلى الذات للصفات ثم تجلى الذات والصفات للفعل وتجلى الفعل الى القدم فظهر الخليل بوصف الخليل ويرى الخليل لخليل بعين الجليل فصار جليللا للجليل ولذلك قاله تعالى اتخذ الله ابراهيم خليلا وهذا الذى بعينه للحبيب الحبيب افضل من الخليل لان المحبة لب الخلة ثم صرح بالاشارة ان المحسن الراضى اذا تابع الحبيب والخليل فيما ذكرنا صار حبيب الله وخليل الله قال بعضهم فى هذه الاية اى من احسن حالا ممن رضى ---القدور عليه فى العسر واليسر واسلم قلبه الى ربه واخلص وجهه له وهو محسن اى متبع لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ابو بكر من ظاهر واتبع ملة ابراهيم حينفا اى يخرج من الكونين اقبالا منه على الحق وقال الواسطى حنيفا اى مظهر امن ادناس الكون خالصا للحق مما يبدوا له وعليه قال ابن عطا اتخذه خليللا ولم نخالك سرائره شيئا غيره فان لك حقيقة الخلة وانشد

قد تخللت مسلك الروح منى وبذا سمى الخليل خليلا
فاذا ما نطقت كنت حديثى واذا ما غشت كنت عليلا

قال الحسين اتخذه خليلا ولا صنع لابراهيم فيه وذلك موضع المنة ثم اثنى عليه بالخلة وذلك فعل الكرام وقال الواسطى تخاله انوار بره فسماه خليلا وعن جعفر بن محمد قال اظهر اسم الخلة لابراهيم لان الخليل ظاهر فى المعنى واخفى اسم المحبة لمحمد صلى الله عليه وسلم لتمام حاله اذلا يحب الحبيب اظهار رحال حبيبه بل يجب اخفاء ويسرته لئلا يطلع عليه سواه ولا يدخل احد فيما بينهما وقال ابن عطا فى تفسير قوله اسمل وجهه لله وهو محسن اى قصده وتدبيره لربه وهو محسن اى يرى الحق بسره فاسلم له ذلك كله مفوضا اليه ومسلما تدبيره اليه.