خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٣٥
-الأحقاف

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } ادّب حبيبه صلى الله عليه وسلم بأداب اكابر الانبياء الذين هم اهل عزائم بذلك الموجود لله وفى الله بعد ان عاينوه وعرفوه واحبوه وصبروا له وفيه اى انت فى بحر بلائى امتحنك بعظايم الامتحان التى لا يثبت بازائها الصخور اصم واعظم البلاء كشف جمال قدس لك الذى يفنى فيه من العرش الى الثرى فاصبر به فى مشاهدتى ولا تفش سرى بينى عند الخلق فان بدا منه ذرة الخلقة تضمحل الاكوان والحدثان الى ميادين الوحدانية وتطير باجنحة المعرفة فى هواء القدم والبقاء الذى لا نهاية له اذا----الدهار اقل من لمحة فى زمانها فيه فاصبر فيما عزمت فانك يفنى فى كل لمحة منك فى سطوات الوهيته كما صبر اولوا العزم فى اسفار الديمومية وادراك وحقائق الازلية والابدية صبروا فى تقلبهم فى لطمات بحار القدمية حين استغفروا فى قاموس الكبرياء وما وجدوا نهايتها فكادوا ان يفروا ويخرجوا منها فاغرقتهم امواجها فاستغاثوا منه اليه فالبسهم قوى الربانية فسبحوا فيها بالحق وذهبت بهم بحار الربوبية الى معادن الاولية فلما بلغوا قضى عليات همهم وظنوا انهم وصلوا فلما رأوا انفسهم انهم فى اوائل اسفار الغيب كادوا ان يفنوا فصبروا بالله فى الله وايسوا من الوصول الى كنه القدم ولم يتقطعوا من اسفارهم وايضا فاصبر فانك فى تلك الاسفار ولا يصح حين لم تجد هنالك نفار الخروج منها فان من عرفنى غرق فى بحر كبريائى وعظمتى ابدا الابدين الا ترى كيف قال { وَلاَ تَسْتَعْجِل } اى ولا تستعجل فان لا تدرك بحلاوة العقول ولا يدركنى غوص الفهوم ولا لباب القلوب ولا الدهر الدهار ولا يقلب الافكار فان جميع الازمنة والدهور مقصورة عند اوليتى وأخريتى الا ترى كيف وصف الهالكين فى بحار قهره بقوله { لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } اى ما مضى من بدو الوجود الى زمان الفناء فى ايام القدم المنزه عن الادهار والاعصار كلا شئ فى شئ ثم بين ان هذه الاسرار والحقائق المكشوف ذلك { بَلاَغٌ } اى منى اليك الى العالمين ثم بيّن ان عند معاينة سطوات القهريات لا بهلك فيها لا الخارجون من نعوت استعداد معرفتى حين يحتجبون بظلمات ظنونهم بقوله { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } الخارجون بالدعاوى والباطلة قال سهل فى قوله اولوا العزم من الرسل ابراهيم ابتلى بالنار وذبح الولد فرضى واسلم وايوب بالبلاء فصبروا واسماعيل بالذبح قرضى ونوح بالتكذيب فصبر ويونس ببطن الحوت فدعاء التجأ يوسف بالجب والسجن فلم يتغير ويعقوب بذهاب البصر وفقدان اللود فشكايته الى الله ولم يشك الى غيره وهم اثنا عرش نبيا صبروا على ما اصابهم وهم اولوا العزم من الرسل وقال الواسطى فى قوله لانهم يوم يرون الى قوله من نهار لما جعل الازل والابد كساعة من نهار فاين تقع فى ما ساعة من نهار من طاعة فى معصيته من كرمه.