خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
١
-الأنعام

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } جعل حمده فى الازل طريقا للعباد الى حمده دلاله وثناء جماله علم فى القدم نفسه واوجب الحمد قطعا قبل كون الكون مقابل عين الذات والصفات فلم ير بحمل حمده فحمل بنفسه حمد نفسه فحمد نفسه ورفع الحمد عن الحدث علما بان الحدث يكون مثلا شيئا اوائل حمده لان حمده لا يكون الا بمعرفة المحمود حقيقة بجميع ذاته وصفاته وذلك مستحيل لان حقيقة ذاته وصفاته غير متناهه وكيف يدرك المتناهى صفات الذى هو غير متناه وايضا قطع الحمد عن غير نفسه وبين ان لا يستحق الحمد الحقيقى الا وجوده القديم وليس للحدث فيه نصيب لان حمده ازلى والحمد الازلى لا يليق الا بالازلى قيل حمد نفسه بنفسه حين علم عجز الخلق عن بلوغ حمده قال جنيد الحمد صفة الله لانه حمد نفسه بتمام الصفة ولو حمد الخلائق كلهم لم يقدر الاقامة ذرة من صفته وبيان قوله خلق السموات والارض الا هذا الحمد بالحقيقة لمن هذا صنعه وقدرته وما دام لم يقدر معرفة نعمته فى صفة وفعله لم تقدروا على حمده وثناؤه له سموات واخص سماواته المقدسة وله ارضون واخصها القلب السليم الصفى بوضوح الفطرة الصافية فيه الروح سماء القلب لان منها تنزل عليه فطرات الالهام ويقع عليها منها انوار الرحكمن والقلب ارضها لانه ينبت ازهار الحكمة وانوار المعرفة قيل السموات المعرفة والارض لخدمة قوله تعالى { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } اى الذى خلق الروح والقلب جعل فى الروح نور العقل العرفان الأيات والشواهد وجعل فى القلب ظلمة النفس الامارة لظهور العبودية فى محل الامتحان وايضا سرج فى القلب نور الايمان من سراج الغيب وانشا فى النفس ظلمة الشهوات من عالم الريب وايضا نور الروح بنور المشاهدة وادخل القلب فى ظلمة المجاهدة قال بعضهم ابدا الظلمات فى الهياكل النور فى الارواح وقال بعضهم جعل الظلمات اعمال البدن ونور احوال القلوب وسئل الواسطى الحكمة فى اظهار الكون وقوله خلق السموات والارض قال لا حاجة له الى الكون لان فقد الكون ظهوره وظهوره فقده عنده فان قيل اظهار الربوبية قيل ربوبيته كانت ظاهرة ومل تظهر ربوبيته لغيره قيل لانه لا طاقة لاحد فى ظهور ربوبيته بل اظهر الكون وحجب الكون الكون لئى تظهر لاحد الربوبية فنطمس لان الحق فى الحكمة لا يحتمله الا الحق وسئل بعضهم ما الحكمة فى اظهار الكون قال ارتفاع العلة فاذا ارتفعت العلة ظهرت الحكمة باظهار الكون ان الله سبحانه كان موصفا بالعلم الازلى وكان فى علمه كون الكون كما هى فاظهر الكون باسبق علمه فى ذاته ورادته السابقة فى الازل بوجود الكون وكيف لا يظهر الكون والعلم والارادة سابقان فى الازل بايجاده فاذا بقاء الكون فى العدم مستحيل وايضا ذاته تعالى معدن صفاته وصفاته فعله فظهر فوائد الذات فى الصفات وظهر فوائد الصفات فى الفعل كان قدرته المنزهة حاملة الافعال فوضعتها بالمادة القديمة فى اخص زمان لقوله يوم خلق السموات والارض وايضا كان فى الازل عاشقا على عشاقه الى المشتاقين اليه ليظهر كنوز جلال الذات وجمال الصفات بنعت التعريف لاحبائه لقوله سحانه كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فسبب اظهار الكون شرفه الى جمال المشتاقين ومحبته السابقة للمحبين قال الاستاد فى قوله الذى خلق المسوات والارض فالذى اشارة وخلق السموات والارض عبادة فاشتغلت الاسرار بسماع الذى لتحققها بوجوده ودوامها بشهوده واحتاجت القلوب عند سماع الذى الى سماع الصلة لان الذى من الاسماء الموصلوة لكون القلب تحت ستر الغيب فقال خلق السموات والارض وبان لى اشارة ان قوله تعالى الحمد لله ظاهر الالوهية لاهل العبودية وقوله الذى باطن المشاهدة لاهل المحبة لان المحبة والمشاهدة من لطائف الاسرار فاشار اليها بلفظ الغيبة.